خطاب رئيس جمهورية كوبا، فيدل كاسترو، بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جيمس كارتر، للمدرسة الأمريكية اللاتينية للعلوم الطبية، في الثالث عشر من أيار/مايو 2002.

 

(الطبعات الاختزالية – مجلس الدولة)

 

سعادة الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، جيمس كارتر؛

أحيي أيضاً باقي المدعوين وطلبة مدرسة الطب هذه الأعزاء:

لم أكن متأكداً إنه من واجبي أن أتكلم، وذلك لأسباب من بينها أنني لا أريد تعريضكم هنا (ضحك) لخطر خطاب يمتد أكثر من الوقت اللازم بقليل؛ ولكن، ساد صمت مطلق، وهكذا وجدت نفسي مرغماً على شغل هذا المنبر، اسمعوا جيداً، لدقائق قليلة.

شاهدت برنامجاً يقول: "وفي النهاية، يتم الإعلان عن الكلمة المركزية". هذا ما يقال عادة في المهرجانات العامة، في المنابر المفتوحة، إلى آخره، وأنا أقول بأنه في مطلق الأحوال، إذا ما قلت شيئاً إنما أقول الكلمة الختامية، ذلك أن الكلمة المركزية هي من نصيب الرئيس كارتر؛ ولكي تفهموا أمر قول "الرئيس الأسبق" وقول "الرئيس"، المسألة أنه بفعل مسألة مجاملة يقال في الولايات المتحدة تودداً للذين كانوا رؤساءً، ولو لم يعودوا كذلك، تتواصل تسميتهم رؤساءً، ونحن نتعامل معه بتودد عصر هذا اليوم.

الواقع أنني كنت أمعن في التفكير، ما الذي نحن عاكفون على فعله، وما إذا كانت هذه مدرسة طب أم أنها شيئاً آخر. يفكّر المرء بأرقام، وبنسب مئوية، إلى آخره. وكنت أنا أحسب أيضاً، على سبيل المثال، كم طبيباً كان عندنا عندما انتصرت الثورة، وأن عدد الذين البشر. وما هو عليه المجتمع بدون عدالة؟ ما هو مجتمع الأميين؟ ما هو المجتمع الذي يملك فيه قليلون كل شيء ولا يملك الباقون شيئاً؟ أي حرية يمكنها أن تولد من التفاوت واللاوعي؟ أي ديمقراطية؟ أي حقوق إنسان؟

هناك أشياء عميقة جداً تحرك مشاعر شعبنا. نكنّ أرسخ قناعة بأن هناك كلمات كثيرة ومفاهيم كثيرة يجب إعادة تعريفها هذا إذا أردنا فعلاً السير باتجاه مستقبل كريم. لا يمكن للمستقبل أن يكون الماضي، وبلورة مجتمع مستقبلي يحتاج في الواقع إلى إعادة التفكير بمفاهيم كثيرة تعود إلى ما قبل التاريخ.

جميعنا نعرف، أو كثيرون منا يعرفون، بأنه عندما نشأت كلمة ديمقراطية للمرة الأولى كان ذلك في اليونان القديمة، وعندما كنا شباناً كنا نقول: "هناك يكمن المثال على الديمقراطية، المواطنون المجتمعون في متنزه عام، لا بد وأنه كان صغير جداً، يحكمون". في تلك الحقبة كان في أثينا، على سبيل المثال، 20 ألف مواطن حر –لا بد وأنه كان أقل من هذا بقليل، فإذا ما اجتمعوا في ساحة ولم تكن توجد حتى الميكروفونات كان متنزهاً صغيراً يتسع لهم. بدون هذه الميكروفونات أنا لا أستطيع إسماع صوتي هناك، في آخر هذه المجموعة من الأشخاص المجتمعين هنا-، وإلى جانب الخمسة عشر ألفاً أو عشرين ألفاً من المواطنين الأحرار كان هناك خمسون ألفاً أو ستون ألفاً لا يتمتعون بأي حق، وحوالي 80 ألفاً من أبناء البشر كانوا عبيداً.

عندما نلقي نظرة على العالم الذي نعرفه اليوم وندرك أن هناك آلاف الملايين من أبناء البشر يعيشون في فقر لا يتصوره عقل، وآلاف وآلاف الملايين من أبناء البشر الذين يعيشون في هذا العالم الثالث، بوسعنا أن نتساءل في أي عالم نحن نعيش؛ عندما ندرك بأن هناك بلداناً حيث تسعون بالمائة هم أميين وليس لديهم مدارس ونرى بأن عددهم يزدادا عاماً بعد عام؛ وعندما تصل فقط الأنباء عن أن أطفالاً يمكن إنقاذهم يموت قبل بلوغهم السنة الأولى من العمر، وتقارن بلداناً يموت فيها 5، 6، 7، 8 بين كل ألف مولود حي وأخرى تصل فيها هذه النسبة إلى أكثر من 150، نتساءل في أي عالم نحن نعيش.

نتساءل في كثير من الأحيان أي هو القرن، أي هي الألفية التي نستطيع القول فيها بأن جميع أبناء البشر الذين يأتون إلى هذا العالم سيأتون في الواقع بفرص متساوية أمام الحياة.

لقد بذلنا نحن جهداً كبيراً لكي تتوفر هذه المساواة في الفرص، على الأقل في هذه الجزيرة، لجميع أبناء البشر، وحتى الآن لم نحقق ذلك كلياً. بإمكانكم أن تتصورا كم هو صعب، وكم هو أصعب إذا تم الانطلاق من الفقر، كما كان على بلدنا أن ينطلق، والذي ينطلق منه اليوم 140 بلداً بدرجات متفاوتة. وإذا كان هناك من شيء يبعث الارتياح، كجائزة للجهد الذي بذله كثيرون من الرفاق الذين ناضلوا وكثيرون منهم سقطوا أو قدموا كل طاقات حياتهم من أجل فكرة عادلة، من أجل حلم نبيل، هو أن بلدنا آخذ بالاقتراب من تحقيق مجتمع تتوفر فيه لجميع أبناء البشر فرصاً متساوية، وليس هذا نظرياً، لأنه نظرياً فقط يمكن الحديث عن المساواة في هذا العالم؛ نظرياً فقط إذا ما علمنا بأن بلداً مثل موزمبيق، على سبيل المثال، لديه ناتج محلي إجمالي مقابل الفرد يبلغ ثمانين دولاراً سنوياً، وهناك بلداناً أخرى يبلغ فيها هذا الناتج 45 ألف دولاراً مقابل الفرد سنوياً، ولا أخص بالذكر الفارق بين البلدان فقط، وإنما الفوارق بين الأفراد في البلدان، وفي هذا المجال بلداننا الأمريكية اللاتينية هي أبطال أولمبيين.

نتحدر جميعنا من منطقة يقوم فيها أكبر فارق بين الأغنياء والفقراء؛ من المعروف أنه في بلدان كثيرة يملك العشرة بالمائة الأغنى من المواطنين أكثر من خمسين بالمائة من الثروة والأصول التي يتم إنتاجها في تلك البلدان، والعشرة بالمائة الأفقر بالكاد يملك 4 بالمائة أو 5 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي، بل وفي بعض الأحيان أقل من ذلك.

تسير في الشوارع وتشاهدها مليئة بالأطفال الذين يمسحون زجاج السيارات أو الأحذية أو يعملون مقابل أجور بائسة من أجل مساعدة أهلهم، أو لا يذهبون إلى المدرسة لأنه لا توجد مدارس، أو أنهم لا يصلون ولا حتى إلى الصف الخامس لأن 52 بالمائة فقط منهم، إذا لم تخني الذاكرة، يصل إلى الصف الخامس، وأقل من ذلك قدراً الصف السادس أو التاسع. بوسعنا أن نتساءل: لماذا، أي مستوى من العدالة يقوم، وما هو مصير البعض وما هو مصير البعض الآخر.

لهذا السبب، وبالرغم من اعتراف كثيرين لبلدنا بقفزاته الكبيرة في مجال الطب والتعليم والرياضة، كما لو كانت هذه الأهداف الوحيدة، أو الأهداف النهائية لكفاحنا أو لحياتنا، لا بد من القول: نحن نسعى إلى شيء أنبل بكثير، نسعى للعدل للجميع.

كيف يمكن وجود عدالة بدون معرفة القراءة والكتابة. كيف يمكن أن توجد حرية بدون عدالة ولا مساواة. كيف يمكن وجود ديمقراطية على طراز أثينا تلك التي ذكرناها. كيف يمكن الحديث عن حقوق إنسان وفي أي عالم نعيش، مادام البلد الذي آخذ في هذا العصر، وعبر مواجهة صعوبات لا يمكن تصورها، بالاقتراب ويقترب بشكل أكثر تسارعاً يوماً بعد يوم من هذا المستوى، من هذا الحالم بالعدالة، من الحرية الحقيقية، من الديمقراطية الحقيقية، من حقوق الإنسان الحقيقية، يدان في جنيف كمنتهِك لهذه الحقوق.

في اجتماع كهذا، لم أكن أود التكلم فيه، ليس بوسعي تناول موضوع شائك لهذا الحد، ولكن، ما دمت أُجبرت… عندما يتكلم المرء يجب أن يكون ذلك من أجل أن يقول شيئاً. وأضيف بأن ربما كان هذا البلد اليوم البلد الأكثر وحدة في العالم والأكثر أهلية سياسياً، ربما يكون هذا البلد اليوم البلد الأكثر حماساً والأكثر أملاً حين ينظر إلى المستقبل.

أنتم تعرفون بأنه قبل أيام قليلة فقط اجتمع هناك، في ساحة الثورة، أكثر من مليون من أبناء هافانا. نعم، بعد أيام قليلة من الإدانة، غاضبين من تلك الإهانة العظمى، وما لا يصدّق في الأمر هو أن أولئك الذين أدانونا لا يستطيعون إظهار وضع آخر غير وضع الجحيم، لأن هذه البلدان –وأخص بالذكر في هذه الحالة بالذات بلدان أمريكا اللاتينية- هي النفي الكامل للحقوق التي ذكرناها. ولهذا لا ينبغي التكدّر. سيكون هناك قاضياً غير قابل للاستئناف، وهذا القاضي هو التاريخ (تصفيق).

ولهذا قلت لكم بأنه عند رؤيتكم تساءلت: "أهذه هي مدرسة طب؟ ولماذا من شأنها أن تنفع إذا ما عدتم إلى بلدانكم أطباءًلتلتحقوا بمؤسسات تتسم، ولسوء الحظ، بطابعها الاقتصادي، بطابعها التجاري وبالأنانية، ولم يشأ أي منكم التوجه إلى جبل أو مرتفع أو ركن من الريف أو إلى أحياء هامشية ليمارس هناك مهنته النبيلة كطبيب. أكثر من كونها مدرسة طب، أجمح رغبة عندنا هي أن تكون هذه المدرسة مدرسة تضامن وأخوّة وعدل.

لديّ قناعة بأن الأمر سيكون كذلك، أنه ليس هباء ما يشكله طلاب هذه المدرسة والمدارس الأخرى من تمثيل لكل الأقليات ولكل أفقر القطاعات في بلدانهم، 66 أقلية، حسبما ذكروا لنا.

يا له من مشهد جميل رؤية طلاب من أمريكا اللاتينية وطلاب من الولايات المتحدة، متحدين، يدرسون هنا جنباً إلى جنب. بأي لذة وارتياح أصغينا إلى هذه الشابة التي تكلمت هنا، أو التي غنّت هناك، وكم من أمل بالصداقة وبالأخوة يمكن أن ينبعث إذا ما اتحدنا جميعاً تحت راية الأفكار الداعية للعدالة، الأفكار الداعية للمساواة، والتي عبّر عنها هنا الرئيس كارتر، الأمثلة التي ذكرها، مُدهشة، حين روى علينا الكيفية التي يمكن بها لقرص من الدواء، قرص واحد، أو ربما قرصين، المساهمة بالقضاء على أمراض مريعة؛ عبر جهد نبيل، يرمي إلى حل بعض المآسي التي يعانيها أبناء البشر في هذا العالم، يمكن حلها عبر إجراءات بسيطة جداً. وكان سؤالي الذي خطر على بالي، كم كان لذلك أن كلّف؟، ومن الواضح أن الموارد المنفقة هي في حدودها الدنيا. فكّرت بأن هناك آلاف الملايين من الأشخاص على وجه الأرض يعانون هذه المشكلات أو يواجهون خطر معاناتها.

لم تتم الإشارة ، لعدم إمكان ذلك –فهو ركّز على الحالات التي عني بها في مجال الطب، حيث ذكر ثلاثة مجالات يقوم مجمّع أو مركز كارتر بتقديم المساهمة فيها- إلى الملاريا، على سبيل المثال، إلى ملايين الأشخاص الذين يصابون بالملاريا وملايين الأشخاص الذين يموتون من الملاريا، أو التيفوئيد.

لم يتم ذكر الهول، فقد كان الغروب بالغ الجمال من أجل الحديث عن الهول، وهذا الهول اسمه "آيدز"، وعندما يتم ذكر أفريقيا يستحيل أن يغيب عن الأذهان 26 أو 28 مليون شخصاً مصابون بالآيدز؛ 13 أو 14 مليون طفل يتامى؛ ملايين الأطفال الذين يولدون حاملين الفيروس المكتسب في أحشاء الأم. إنها واحدة من أكبر المآسي التي عرفتها البشرية والتي تهدد بالقضاء على أمم كاملة، بل ومناطق كاملة.

يمكن أن يضاف إلى أي من هذه الأرقام ملايين الأميين، العدد المتزايد الموجود في العالم؛ وملايين العاطلين عن العمل؛ 60 أو 70 بالمائة من المواطنين الأمريكيين اللاتينيين الذين يعتاشون من أعمال غير منتظمة، بدون ضمان، ولا أي حماية اجتماعية، ولا أي حق، لأنه لم يتم الأخذ بالقضاء على الحركة العمالية والنقابات فحسب، بل وعلى الحقوق الأساسية للعمال كذلك. كم من كارثة يمكن إضافتها!

حدّثنا الرئيس كارتر عن الجهد النبيل الذي تبذله عقيلته في دراسة وبحث ومكافحة ظواهر التخلف العقلي، وتم في ذلك تناول موضوع بالغ الأهمية. نحن نعرف ذلك، لأننا آخذون بمعرفة المعلومات الدقيقة لأشخاص يعانون من قصور ما نتيجة تخلف عقلي، والذين يبلغ عددهم في العاصمة وحدها 13 ألفاً، ويجب دراسة كل واحد منهم، بل وأننا أصبحنا عاكفين على دراستهم، عبر إعداد الأخصائيين بخطى متسارعة وتجهيز مختبرات ملائمة، وخاصة بعد معرفتنا –وليس أننا ندرس حالات التخلف العقلي فقط، وإنما حالات القصور الناتجة عن أي سبب آخر- أن عددهم يصل إلى 48 ألفاً في عاصمتنا يعانون من قصور ما؛ وانطلاقاً من معرفتنا بأن أكثر من ثمانين مرضاً من مختلف الأنواع هي وراثية المنشأ، ونضع نصب أعيننا مهمة الدراسة الوراثية لجميع حالات التخلف العقلي وبعض الأمراض الوراثية الأخرى التي لا يولد الطفل مصاباً بها ويمكن أن يعاني منها لاحقاً كمحصلة لانخفاض الحرارة، على سبيل المثال، أو لشيء قد تم القضاء عليه، لحسن الحظ، في هذا البلد وفي بلدان أخرى، كما هو حال التهاب النخاع السنجابي. ولكن هناك حالات كثيرة منشؤها وراثي أو بيئي أو عرضي.

حين يذكر ذلك وتُعرف الأرقام، يبدأ المرء بالاقتراب من معرفة حجم المآسي التي يعانيها المجتمع الإنساني، وفي كثيرين من الأحيان يعانيها أولئك في عزلة، لأن كثيرين لا يعرفون حتى ما الذي يصيبهم. أحد الدوافع الأخرى للارتياح للزيارة التي عندنا اليوم هو أن نرى الجهد الذي يبذلونه في الكفاح أولاً من أجل منع الإصابة بهذه الأمراض ومساعدة الذين يعانون منها قدر الإمكان.

غير أنني لا أريد أن أطيل، لأن هذا هو موضوع يمكن للحديث عنه أن يمتد حتى الفجر.

لم يبق عليّ إلا أن أعبّر بشكل أساسي عن الأسباب التي جعلتنا نستقبل الرئيس الأسبق كارتر وعقيلته ووفده باحترام وحسن ضيافة وارتياح.

لا تظنّنّ بأنه وفد كبير جداً، وأكبر وفد يزور بلدنا إلى جانبهم هو وفد المراسلين والصحفيين، وهو أمر منطقي طبعاً.

شرحنا يوم أمس في المطار ما يبذلونه من جهد في سبيل تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا، في خضم صعوبات لا يمكن الخروج منها ظاهرياً؛ وبسبب هذه الصعوبات التي لن أسردها، لم يتم إحراز مزيد من التقدم في ذلك الحين ولكن بدا لنا بأنه من المحق تاريخياً بشكل أساسي الإعراب عن هذا العرفان، وكذلك الاعتراف بشجاعة زيارة بلدنا.

كان شجاعاً حين حاول تحسين العلاقات؛ لا يظنّن أحد بأن ذلك كان بالأمر السهل. وكان شجاعاً بزيارته لكوبا، رغم أنه كان هناك دائماً من يعترض، وبالرغم من تعريض نفسه لانتقادات وافتراءات.

برنامج زيارته لم نختاره نحن، اختاره هو، وأبدى اهتماماً بشكل أساسي في حقل التعليم، ليشغل هذا الرقم واحد عملياً؛ وأبدى اهتماما خاصاً بالمدرسة الأمريكية اللاتينية للعلوم الطبية، الأمر الذي يفسّر ما رواه لنا من جهد يبذلونه في بلدان أخرى في مجال الصحة، حسب ما يتوفر لديهم من موارد. كبيرة هي التجربة التي لا بد وأنهم اكتسبوها حول كثير من هذه المواضيع.

في هذا المجهود الذكي، من واجبي القول هنا بعيداً عن الإطراء الشخصي، واضحةٌ هي درجة ذكاء الرئيس كارتر، الذي تضاف إليه بدرجة أكبر، خلقيته الشخصية والعائلية. وكان هذا في الواقع أحد الأمور التي لاحظناها منذ أن بدأت تُسمع خطاباته حين ترشح لرئاسة الولايات المتحدة؛ كانا عاملين متلازمين في سيرته وفي شخصيته، ويفسّر ذلك بشكل كبير اهتمامه بمعرفة هذه المدرسة، ومعرفة مدرسة العمال الاجتماعيين أيضاً، ومعرفة المؤسسات المكرسة للتعليم الخاص وجمع معلومات عن الجهود التي يعكف بلدنا على إجرائها في هذا الاتجاه في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والأبحاث الطبية.

عندما تحدّث عمّا فعله هو، وبالتأكيد أنه فعل ذلك بموارد قليلة، فهو رجل متقشف –عندما كنت في المطار توقعت قدومه في طائرة بوينغ كبير من تلك، وفجأة رأيت طائرة صغيرة بمحركين تمر فوق المدرّج، وتلف، وتهبط وتدنو منّا، وكان لهذا أن قلت له، وأعتقد أنه سُمع عبر الميكروفون، فلم أكن أدري بأنه كان هناك كل ذلك القدر من الميكروفونات: "كنت أعتقد بأنك ستأتي في طائرة بوينغ من آخر الموديلات"-، يسافر في طائر متواضعة برفقة مجموعة صغيرة من الأشخاص. أثناء ذكره للبرامج التي أسعدني جداً سماعها هنا وأن تكونوا قد تمكنتم أنتم من سماعها أيضاً، وتمكن شعبنا من سماعها، فكّرت بأنه ما دام ببضعة الدولارات، أو لنقل ببضعة سنتات، يمكن فعل الكثير من الخير في هذا العالم، ما الذي لا يمكن فعله بآلاف الملايين من الدولارات، أو يمكن القول، بملايين الملايين من الدولارات التي تكرَّس في العالم لإنتاج أسلحة وإنتاج واستهلاك مخدرات، أو لإنتاج سلع ترف، ولعل ذلك هو الإرث الأكثر رعباً تتركه ما تسمى المجتمعات الاستهلاكية للبشرية، وأرجو ألا يكون ذلك إلى الأبد.

إن عالماً كالعالم الذي يحلم به هو عبر محاربته أمراضاً، عالماً كالذي نحلم به نحن، عالماً كالذي تحلمون به أنتم، هو عالم ممكن، نعم، ممكن جداً، عندما تتوفر لأبناء البشر المعارف والثقافة والوعي الضروريين للعيش والتصرف بروح أخوية حقيقية، للعيش والتصرف بروح عدل حقيقية؛ وما لي أن أعتبر هباء ولا أن أعاني الأسف البالغ الذي أشعر به لتحدثي لمدة تزيد عن التي وعدت بها، متمادياً في استغلال صبر زائرينا، إذا تذكرتكم هذه الكلمات التي قلتها لكم مرة وأخرى من كل قلبي وبأقصى درجة من الصدق.

شكراً جزيلاً.

(تصفيق حاد)