الخطاب الذي ألقاه رئيس جمهورية كوبا، فيدل كاسترو روس، حول الأزمة العالمية الراهنة أثناء تولّيه للمنصب في هافانا، في السادس من آذار/مارس 2003.

 

 

أيها الرفاق النواب؛

حضرات المدعوين الكرام؛

يا أبناء وطننا الأعزاء:

لقد قمنا للتو بدورة حول العالم في رحلة لم تعرف دقيقة واحدة من الهدنة أو الراحة. كان لزاماً علينا القيام بها. ففي يومي الرابع والعشرين والخامس والعشرين كان موعد انعقاد اجتماع قمة هام في كوالا لومبور، ماليزيا، في خضم مخاطر وقوع حرب شبه مؤكدة في العراق، وتفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، وضرورة القيام بزيارات الأصدقاء حميمين كفيتنام والصين مبرمجة للأيام السابقة واللاحقة لانعقاد القمة، وضرورة جعل الاستراحة حتمية في اليابان، التي كنت قد تلقيت منها دعوات أصدقاء هامّين وأعزاء.

أكثر الأمور أساسية هو أن الدعوة كانت قائمة لتشكيل الجمعية الوطنية الجديدة وانتخاب رئاستها ورئاسة مجلس الدولة ورئيس ونواب الرئيس في حفل ذي أهمية بالغة يقام في الخامس من آذار/مارس.

نتيجة تقلبات الأحوال الجوية، لم نتمكن من مغادرة هيروشيما في يوم 3. وتحسباً لأي تأخير، اضطر الوفد أن يترجّى الرفاق في كوبا تأجيل الاجتماع إلى يوم 6.

اضطررت لكتابة هذه السطور خلال رحلة العودة.

التجول في العالم في هذا الزمن ليس بالأمر السهل. والأكثر صعوبة بعد هو القيام بذلك بتكتم وانتظار أكبر وقت ممكن للإبلاغ عنه وطلب الأذون بالتحليق، إلى آخره... والسفر في طائرة من طراز "IL-62"، وما تبلغه من العمر، ومعدات قيادتها ونفقاتها من المحروقات وضجيجها، فتعقّد كل شيء، إن كان ذلك بسبب أو بدونه. فالطائرة تُحدث ضجيجاً ساعة مسيرها على المدرّج، الذي تحتاج لأن يكون طويلاً، كما تُحدث ضجيجاً عند الإقلاع، ولكنها تقلع دائماً، وفي كل مرة تقلع بها تصل إلى وجهتها.

المرة الأولى التي سافرت فيها في واحدة منها كانت قبل 32 سنة من أجل زيارة الرئيس سلفادور أليندي، ومنذ ذلك الحين لم أتوقف عن فعل ذلك. فهذه الطائرة تبلغ من القوة ما تبلغه قوة الجرارات الزراعية السوفييتية في أيام عزه، والتي تم تركيبها في ظل تجربة سائقي جرارات كوبيين. طياروها هم أبطال أولمبيون. والفنيون والميكانيكيون الذين يقومون بصيانها وإصلاحها هم الأفضلين في العالم. قمنا للتو بثاني دورة حول العالم على متنها. آمل ذلك، حيث أنه ما تزال هناك عدة ساعات أمامنا. وبكل جدية، أقدّر عالياً هذه الطائرات الرائعة من إنتاج الاتحاد السوفييتي سابقاً، وإني شاكر جداً لها وأنصح أبناء وطننا والسائحين بركوبها. إنها الأكثر أماناً في العالم. وأنا دليل على ذلك.

لا ينبغي التمادي في أخذ الأمور بجدية في هذا العالم. ففي هذه الحالة يواجه المرء خطر التعرض لجلطة قلبية أو الإصابة بمس من الجنون.

قصة رحلة لا بدّ من روايتها

غادر وفدنا في التاسع عشر من شباط/فبراير، قبل دقائق قليلة من حلول منتصف الليل. استراحة قصيرة في باريس، لم يكن هناك من مكان آخر. كان يفترض أن نستريح بضع ساعات في أحد فنادق المدينة. إنما كانت محاولة غير مجدية، حيث لم أشعر بأي نعاس، فكرّست وقتي لمشاهدة جزء من المدينة الجميلة والشهيرة من طبقة عالية. أخذت أنظر إلى سقوف الأبنية المكونة من ثلاثة إلى ستة طوابق فبدت وكأنها روائع فنية. من يدري ممّا تم صنعها قبل 150 سنة.

تذكّرت هافانا ومشكلاتها. كان لونها بلون الرماد الفضي. لم يستطع أحد أن يجيب على سؤالي.

على مسافة كيلومترات قليلة، كلٌّ ضخم من المباني يعكّر هذا التناسق. وفي أقصى اليمين أبنية شاهقة من لمكاتب أو مساكن تشوّه المكان أيضاً. تذكّرت مدرج الهيلوكبتر الذي تمت إقامته في هافانا القديمة، خلف ما كان عليه قصر الحكومة الاستعمارية، وذلك قبل أشهر قليلة من انتصار الثورة. كانت المرة الأولى التي بدا لي فيها برج إيفل وقوس النصر، اللذين ينالان كبير إعجاب الجميع، شيئين ذليلين وبحجم لا يذكر من الصغر. رأيت نفسي وقد تحولت فجأة إلى مخطط مدن فاشل. لم أزعج أحداً في باريس ولا تكلمت مع أحد. غادرتها وأنا أحتفظ بذكرى كل ما قرأته وما حلمت به أيام شبابي عن ثورتها المجيدة وعن تاريخ فرنسا البطل والمجيد. وشعرت بالإعجاب بالموقف الشجاع الذي تتخذه اليوم في وجه الهيمنة المذلة من جانب واحد التي تسعى لها حكومة الولايات المتحدة.

أجرينا استراحة في أولوموتسيه، في الطرف الغربي من الصين. مطار ذو هندسة معمارية رائعة. موقف ودّي وعلى درجة عالية من حسن الضيافة. ثقافة مصقولة. بعد ذلك بعشر ساعات، في ساعات الليل، هبطنا في هانوي، عاصمة صديقتنا العزيزة والبطلة فيتنام، ولكنها عاصمة أخرى تختلف تماماً عن العاصمة التي زرتها في المرة الأخيرة عام 1995، قبل ثماني سنوات. شوارعها، مليئة بالنشاط والحركة والأضواء. لم تُشاهَد أي دراجة هواية بدوّاسات، جميعها تعمل بمحرّكات. السيارات تملأ الشوارع. وكان هذا الأمر الوحيد الذي بعث عندي شيئاً من الريبة عند تفكيري بالمستقبل والمحروقات والتلوث وغيرها من الكوارث.

فنادق فارهة كثيرة تشمخ أينما كان. عدد المصانع كان قد تضاعف. أصحابها، أجانب بشكل عام وذوو إجراءات إدارية رأسمالية صارمة، ولكن في بلد شيوعي، يقبض الضرائب، ويوزع المداخيل، ويوفّر فرص العمل، ويطوّر التعليم والصحة، ويحافظ على أمجاده وتقاليده سالمة. النفط، المحطات الكهروحرارية، المحطات الكهرومائية، الصناعات الثقيلة، كلها بأيدي الدولة. ثورة بشرية بامتياز. كل الذين شاركوا ويشاركون في صنع الثورة يجدون احتراماً ومعاملة وقوران. هو شي منه كان وسيظل مثالاً خالداً.

تحدثت لمدة طويلة من الزمن مع نغويين جياب، المخطط الاستراتيجي العبقري. ذاكرة ممتازة. تذكّرت بحزن وبحب حميم في ذات الوقت كثيرين أمثال فام فان دونغ وغيره ممن رحلوا. إنهم أشخاص يزرعون حباً أبدياً. قادة قدامى وجدد عبّروا عن حب وصداقة بلا حدود. العلاقات تضاعفت في جميع المجالات. الاختلافات بالأوضاع مع كوبا هي اختلافات كبيرة جداً. فنحن محاطون بمجموعة من الأصدقاء ليس لديهم شيئاً يستثمروه والبلد الأغنى في العالم يحاصرنا بصرامة. وتضاف إلى ذلك غيرتنا على الحماية القصوى للثروات والفوائد للأجيال الحاضرة والمستقبلية، الأمر الذي لا يُفقد صداقتنا المجيدة والأبدية بريقها على الإطلاق.

من فيتنام إلى ماليزيا. إن هذا هو بلد مدهش. موارده الطبيعية الهائلة وقائد ما فوق العادي، ذو فطنة خاصة، لم يمهد الطريق أمام قيام رأسمالية وحشية، إنما هما ما يفسران تقدّمه. لقد وحّد الأقليات العرقية الرئيسية الثلاث: الماليزية والهندية والصينية. جلب استثمارات، هطلت من اليابان الصناعية ووصولاً إلى مناطق أخرى من العالم. وضع أعرافاً ونظماً دقيقة. وزّع الثروات بأكبر قدر ممكن من المساواة. نمت البلاد بوتيرة جيدة خلال ثلاثين سنة. تمت العناية بالتعليم والصحة. تمتعت بفترة طويلة من السلام، خلافاً لفيتنام ولاوس وكمبوديا، التي تعرضت جميعها لعدوان الاستعمار أولاً ثم الإمبريالية، وعندما حلّت الأزمة الكبرى التي ضربت جنوب شرق آسيا، خالف أعرافاً لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرهما من الهيئات المشابهة، وحمل الدولة على التدخل، ووضع قيوداً على صرف العملة، فمنع فرار رؤوس الأموال وأنقذ البلاد وثرواتها. ونقيضاً لما يحدث في قارتنا المعذّبة، تم هناك تطوير رأسمالية وطنية حقيقية، وفّرت الرفاهية للجماهير، بالرغم من الفوارق الكبيرة بالمداخيل. بالنسبة للغربيين والنظام الاقتصادي الجديد هو حجر عثرة ومثالاً سيئاً.

الصين. وصلنا إليها عند منتصف النهار. وكما في فيتنام، لم يسبق أبداً لوفد كوبي أن لقي كل ذلك القدر من العناية والتكريم. مأدبة عشاء ترحيبية يوم السادس والعشرين. الاجتماعات مع القادة السابقين والجدد للحزب والدولة، الذين ما زال بعضهم في مناصب قيادية –جيانغ زيمين، هو جينتاو، لي بينغ، جو رونجي، وين جياباو، وكل واحد منهم مع فريقه- توالت الواحد بعد الآخر منذ عصر اليوم الأول حتى يوم 27. وفي يوم 28 صباحاً، زيارة إلى متنزّه بيجينغ التكنولوجي ومغادرة مع الرئيس جيانغ زيمين إلى نانجينغ لزيارة مصنع أجهزة التلفاز "باندا". كانت المرة لأولى في حياتي التي أسافر فيها على متن طائرة جومبو. مأدبة عشاء ولقاء مع السكرتير الأول لإقليم جيانغس. مغادرة إلى شانغهاي. مراسم وداع.

العناية التي وجدها الوفد الكوبي في فيتنام والصين ليس لها مثيل على مدى تاريخ الثورة. كانت الفرصة المناسبة للتحدث بإسهاب وتعمق مع رجال استثنائيين فعلاً، أصدقاء حقيقيين تركوا آثاراً إلى الأبد على الصداقة بين شعوبنا. لقد كانتا، الصين وفيتنام، أفضل صديقتين لنا في أيام الفترة الخاصة التي بلغت ما لا يصدّق من الصعوبة، حين لم يكن أحد يصدّق بأنه يمكن للثورة الكوبية أن تحافظ على بقائها. ويكنّ شعباهما وحكومتاهما اليوم احتراماً وإعجاباً لبلد صغير عرف كيف يقاوم بجوار القوة العظمى الوحيدة التي هيمنت على العالم بقوتها الجبارة.

لا تعود هذه الفضيلة إلى أي منا نحن الذين تلقينا تلك التشريفات، وإنما تعود إلى الشعب البطل والمجيد الذي عرف كيف يقوم بواجبه بكرامة.

لم تقتصر محادثاتنا على مواضيع ثنائية وعلى التطوير اللاحق لعلاقاتنا الاقتصادية والعلمية والثقافية. لقد تم تناول أهم المواضيع الدولية بعناية بالغة وثقة وتفهم متبادل.

ومن الصين طرنا إلى اليابان. وتم هناك استقبالنا بترحاب واحترام. ومع أن الرحلة كانت عبارة عن مجرد استراحة، فقد استقبلنا أصدقاء قدامى وثابتون. أحيينا اجتماعات واسعة مع رئيس المؤتمر الاقتصادي كوبا-اليابان، تومويوشي كوندو؛ ورئيس البرلمان الياباني، واتانوكي؛ ورئيس الجمعية البرلمانية للصداقة، ميتسوزوكا؛ ولقاء مجاملة مع رئيس الوزراء الأسبق، ر. هاشيموتو؛ ولقاء مع رئيس الوزراء الحالي، جونيشيرو كويزومي.

وبمبادرة يابانية، تناولنا مواضيع تتعلق بالوضع المتوتر في شبه الجزيرة الكورية الذي يهم الجميع، وسننقل تفاصيلها إلى حكومة جمهورية كوريا الديمقراطية، التي نقيم معها علاقات دبلوماسية ودية منذ انتصار الثورة.

توجهنا إلى هيروشيما في الثاني من آذار/مارس. وقمنا هناك بزيارة لمتحف السلام التذكاري لتلك المدينة، حيث وضعنا إكليلاً من الزهور. وشاركنا في مأدبة غداء خاصة مع حاكم تلك المدينة.

لا تكفي الكلمات والوقت للتعبير عن عمق الأثر الذي بعثته عندنا عملية الإبادة المرتكبة بحق سكان هيروشيما المدنيين. لا يمكن للقدرة على التصور أن تدرك ما حدث هناك.

لم يكن ذلك الهجوم ضرورياً على الإطلاق، ولن يكون له مبرراً أخلاقياً أبداً. كانت اليابان مهزومة عسكرياً. وكل الأراضي المحتلة في منطقة أوقيانيا، في جنوب شرق آسيا، كانت قد تمت استعادتها، بل وإلى جانبها أراضي تابعة للسيادة اليابانية. وفي منشوريا كان الجيش الأحمر يتقدم بلا عائق. كان بإمكان الحرب أن تنتهي خلال أيام معدودة بدون أي خسارة أخرى بأرواح الأمريكيين. كان يكفي توجيه إنذار واستخدام ذلك السلاح كخيار أخير في ساحة معركة أو في قاعدة يابانية أو اثنتين عسكريتين حصراً لتنتهي الحرب على الفور، مهما بلغ ضغط وعناد أكثر القادة تطرفاً.

من وجهة نظري، مع أن اليابان بدأت الحرب بهجومها المفاجئ وبلا مبرر على ال‍ "Pearl Harbor"، لم يكن هناك أي ذريعة تبرر القيام بتلك المجزرة بحق أطفال ونساء وشيوخ ومواطنين أبرياء من كل الأعمار.

الشعب الياباني، النبيل والكريم، لم يتفوّه بكلمة واحدة تعبّر عن الحقد تجاه مرتكبيها. خلافاً لذلك، لقد أقاموا هناك نصباً للسلام لكي لا يتكرر أبداً مثل ذلك العمل.

ينبغي أن يزور ملايين الأشخاص ذلك المكان من أجل محاولة جعل البشرية تعرف ما حدث هناك في الواقع.

تحركت مشاعري هناك لرؤيتي صورة لتشي [غيفارا] حين وضع إكليلاً من الزهور أمام النصب المتواضع، ولكنه أبدي، لواحدة من أكبر الجرائم المرتكبة بحق البشرية.

كان من نصيب هذا الجيل من أجيال جنسنا أن يعيش أوضاعاً هي الأولى من نوعها كلياً، لا هي مثلى ولا أحد يتمناها. نتمنى أن تتمكن البشرية من النصر. إذا ما كان أبناء البشر يبدون في السابق، في عصرنا نحن نفسه، بأنهم أسياد الأحداث، فإن الأحداث اليوم هي التي تبدو سيدة أبناء البشر.

ترافقت رحلتنا هذه مع مجموعة من الأحداث التي تزرع الريبة وعدم الطمأنينة في كل حدب وصوب. فأسس وقيم حضارة برمّتها تعيش في أزمة. وهناك أفكار كالسيادة والاستقلال أضحت بالكاد من وحي الخيال. الحقيقة والخلقية، اللتين يجب أن تكونا أول حق وخاصة بين حقوق وخواصّ الإنسان، تجدان في كل يوم متسعاً أضيق لهما. البرقيات والوسائل الصحفية والإذاعية والتلفزيونية وأجهزة الهاتف الخلوي وصفحات ويب تنقل سيلا من الأنباء القادمة من كل مكان وفي كل لحظة. متابعة سير الأحداث ليست بالأمر السهل.

وفي سيل الأنباء هذا، بالكاد يستطيع الذكاء البشري أن يستدل على وجهته. وفي أحيان كثيرة يجعله حدس البقاء يتحرك من قبيل المصادفة.

لم يسبق أبداً أن خضعت كل أنباء العالم لسلطة وإرادة الذين يقودون قوة عظمى ذات قدرة يبدو أنه لا حدود لها، لا توجد أدنى فكرة عند الأسرة الدولية عن فلسفتهم وأفكارهم السياسية والتزامهم الخلقي. قراراتهم عملياً هي قرارات لا يمكن التكهن بها ولا مخالفتها. والقوة والقدرة على التدمير أصبحتا على ما يبدو حاضرتين في كل واحد من أقوالهم وتصريحاتهم. يجلب هذا طبعاً الريبة وعدم الطمأنينة لكثير من رجال الدول، وخاصة إذا تم الأخذ بعين الاعتبار بأنه إلى جانب القوة العسكرية الخارقة تأتي القوة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية عند الذين لا يرغبون بأن يخالّف لهم رأي.

الحلم بعالم تحكمه أعراف ومنظمة تعبّر عن إرادة ورغبة كل الشعوب.. تتبخّر.

على علوّ أمتار كثيرة قرأت برقية صحفية يقول محتواها حرفياً: "عبّر الرئيس بوش في خطابه الإذاعي الأسبوعي عن عدم احترامه لمنظمة الأمم المتحدة وكشف بأنه قد تشاور مع هذه المنظمة ‘بدافع التزامه تجاه حلفائه وأصدقائه‘ أكثر منه بدافع ما تهمه نتيجة مشاوراته".

عدد متزايد من الأشخاص في العالم يبدون قدراً أكبر من المعارضة يوماً بعد يوم لفكرة عولمة النظام الاستبدادي العالمي.

منظمة الأمم المتحدة، التي نشأت عن حرب كلّفت أرواح 50 مليون شخص، من بينهم مئات الآلاف من الأمريكيين، يجب أن تهمّ كثيراً كل شعوب وحكومات العالم. تعاني عيوباً كثيرة، وهي خارجة عن زمنها في كثير من الجوانب؛ وجمعيتها العامة، التي تشارك فيها جميع دول العالم هي مجرد جمعية مداولة بدون أي سلطة، ولا يتم فيها إلا التعبير عن الآراء؛ مجلس الأمن، الذي يفترض أنه هيئتها التنفيذية، حيث لا صوت إلا للدول الخمس المتميّزة، التي تستطيع إحداها أن تضرب بعرض الحائط إرادة جميع بلدان العالم، وإحداها، الأكثر جبروتاً، استخدمت هذا الحق حسبما يحلو لها في عدد لا يحصى من المرات. ولكن، مع كل ذلك، لا يتوفر شيئاً آخر غيرها.

من شأن غيابها أن يؤدي إلى حلول أسوأ المراحل التي سبقت قيام النازية وأن يؤدي بنا إلى الكارثة. بعضنا كان شاهداً على ما حدث خلال الثلثين الأخيرين من القرن العشرين. لقد شهدنا ولادة شكل جديد من أشكال الإمبريالية بكل قوته، وهو شكل شامل وكامل، أقوى ألف مرة من الإمبراطورية الرومانية الشهيرة ومائة مرة من حليفته الدولية الحالية، وهي ظلّ ما كانت عليه الإمبراطورية البريطانية. إنما هو الخوف وحده، عمى البصيرة أو الجهل ما يمنع رؤية ذلك بكل وضوح.

هذا هو الجانب المظلم من المشكلة. ولكن يمكن للواقع أن يكون آخر. لم يسبق أبداً أن قامت خلال فترة بالغة القصر مظاهرات بكل هذا الحشد في كل مكان من العالم وذلك خلال فترة قياسية بالفعل، كما حدث مع الحرب المعلنة ضد العراق.

حكومتا أهم حليفين للولايات المتحدة، وهما بريطانيا وإسبانيا، تم وضعهما في حالة أزمة؛ فالرأي العام في كل منهما، وبأغلبية ساحقة، يقف ضد الحرب. صحيح أن العراق ارتكب عملين خطيرين ولا مبرر لهما، كغزو إيران واحتلال الكويت، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا البلد قد أُخضع لأعمال بالغة القسوة؛ مئات الآلاف من أطفاله ماتوا ويموتون جوعاً ومرضاً، وقد خضعوا خلال سنوات لأعمال قصف متواصلة، وهو ليس صاحب قدرة عسكرية تسمح له بتشكيل أدنى خطر على أمن الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. إنما يتعلق الأمر بحرب لا لزوم لها أبداً، وهي ذات أهداف مظلمة، ويعترض عليها العالم، بما فيه جزء كبير من أبناء شعب الولايات المتحدة إذا لم يتم القيام بها بموافقة من قبل منظمة الأمم المتحدة.

الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أزمة عميقة لم يتمكن من الخروج منها، سيواجه نتائج حتمية ولن يكون بعدها أمن ولا طمأنينة لأي من بلدان الكرة الأرضية.

والرأي العالمي يحتج أيضاً، وحتى أنه يمكن التأكيد بأن ذلك غيرة على أمنه وأمن باقي شعوب العالم. لا يمكن للولايات المتحدة أن تشن حربها من أجل إخافة العالم بقوتها، وتجريب أسلحة جديدة وتدريب قواتها. وهذا المناخ هو مناخ ملموس في كل مكان. وقد تمكنت من ملاحظته على نحو خاص في اجتماع قمة حركة بلدان عدم الانحياز المنعقدة في ماليزيا.

لقد كان محفلاً بالغ الجدية، حيث عبّر رؤساء الدول والحكومات عن آرائهم باحترام في لهجتهم، وصراحة في ملاحظاتهم وبحس كبير بالمسؤولية. وقد قاد مخاتير المداولات بنظام وعمق وفاعلية.

وكما هو طبيعي، بكل الحصافة التي تستوجبها تبعية مجموع بلدان العالم الثالث تقريباً بالنسبة للولايات المتحدة وهيئاتها المالية، فأي استياء من جانبها يمكنه أن يعني نهاية حكومة ما أو بعث الاضطراب الاقتصادي لها.

هناك عدة أمور وجدت إجماعاً تقريباً في الخطابات التي ألقيت في المؤتمر.

أولاً: لا ينبغي شن حرب على العراق، وخاصة بدون موافقة منظمة الأمم المتحدة.

ثانياً: على العراق أن يمتثل بدقة للقرارات والنظم الصادرة عن مجلس الأمن.

ثالثاً: لم يكن هناك من أمل عند أحد بإمكانية تفادي الحرب.

رابعاً: وكما هو منطقي، كان التخلف والفقر والجوع والجهل والأمراض والديون الخارجية المتراكمة غير القابلة للتسديد والعمل المشؤوم الذي تقوم به الهيئات الدولية لبعث الاضطراب وغيرها من الكوارث التي لا تحصى وتضرب العالم الثالث، محلاً للبحث والشكوى.

لقد شارك وفدنا في جلسات القمة كما عقد أيضاً عشرات اللقاءات مع وفود أخرى. لقد طُلبت منّا معلومات، وتبادل خبرات، وأحياناً التعاون في مجالات معينة.

استطعنا أن نلاحظ هناك بأن شخصيات من مختلف أنواع الثقافات والمعتقدات الدينية والأفكار السياسية قد تعاملوا معنا بحمّيّة وثقة. واستطعنا أن نلمس بأن شعبنا يحظى بالإعجاب والعرفان لتضامنه والتزامه الثابت بالمبادئ.

شرحنا لكثيرين منهم وقدّمنا معلومات موثّقة عن الانقلاب الفاشي في فنزويلا، والضرر الذي أصاب العالم من جرّاء تعطيل إنتاج ثلاثة ملايين برميل من النفط يومياً، الذي لحق به الشلل عملياً، وأنه آخذ بالانتعاش بفضل الانتصار الساحق للشعب البوليفاري. شرحنا لهم أيضاً مخاطر قيام حرب في منطقة الشرق الأوسط المتوترة، على البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. ورأينا بأنه ليس بالأمر المستحيل بعد تفادي هذه الحرب إذا ما تمكن العراق من أن يثبت، ليس في مجلس الأمن فحسب، وإنما أمام برلماني العالم أيضاً، بدون استثناء برلمانيي الولايات المتحدة –حيث الشك يراود الكثيرين منهم-، وبريطانيا وإسبانيا، وهما الحليفين غير المشروطين وحيث يقف كثيرون ضد الحرب؛ وأن يثبت أمام برلمانيي وزعماء بلدان عدم الانحياز وقادة المنظمات الاجتماعية، بأنه قد تم الاحتكام ويتم الاحتكام إلى جميع شروط قرار منظمة الأمم المتحدة ولكل واحد من هذه الشروط.

إن المعركة من أجل السلام في العراق ووحدته هي معركة سياسية وليست عسكرية. إذا كان حقّت الحقيقة، وهُزمت الأكاذيب، ما زال بوسع السلام في المنطقة أن ينتصر، بما في ذلك الخير حتى لشعب الولايات المتحدة نفسه. لن يكون هناك من رابح في هذه الحرب إلا منتجي الأسلحة أو الذين يحدوهم الحلم المستحيل بأنه يمكن بالقوة حكم 6300 إنسان، معظمهم جائعين وفقراء.

نؤيد قرار الحكومة العراقية تدمير صواريخ "الصمود" وندعو العراق إلى تدمير حتى أي سنتم مكعب من أي سلاح كيميائي أو بيولوجي ما زال لديه، هذا إذا كان ما يزال موجوداً أو كان له أن صنعه.

لن يكون لدى حكومة الولايات المتحدة حينها أي حجة قانونية أو أخلاقية لمهاجمة العراق، وخاصة في الوقت الذي يتم فيه أمام ناظر العالم ارتكاب عملية إبادة حقيقية للشعب الفلسطيني، وتتمتع دولة إسرائيل بترسانة قوامها مئات الأسلحة النووية ووسائل نقلها التي تزودها بها الولايات المتحدة.

لا يمكن إلا للحقيقة الكاملة المثبتة أمام العالم على نحو لا يُدحض أن توفّر للشعب العراقي القوة الأخلاقية والدعم الدولي الكامل للدفاع عن وطنه ووحدته حتى آخر قطرة من الدماء.

بدون رؤية واضحة للعصر الذي نعيشه، لا يكون لهذا المحفل السياسي الذي يجمعنا اليوم إلا أهمية نسبية. تحظى كوبا اليوم بامتياز كونها أحد البلدان القليلة التي تتمتع بامتيازات استثنائية. وطبعاً، نواجه ذات المخاطر الكونية التي تواجهها بقية البشرية، ولكن ليس هناك أي بلد على استعداد سياسي أكبر من استعدادنا لمواجهة مشكلات تضرب اليوم جزءاً كبيراً من العالم ورسم خطط وأحلام ستحوِّلنا، بدون شك، إلى أحد المجتمعات الأكثر إنسانية وعدالة على وجه الأرض، ما دام جنسنا قادر على البقاء. ليس هناك من بلد أكبر على وحدة أكبر ولا هو أكثر عزماً وقوة لمواجهة مخاطر داخلية وخارجية.

بذكري للمخاطر ذات الطابع الداخلي، أنا لا أفكر بمخاطر سياسية. فالقوة والوعي المتراكم خلال هذه السنوات الأربعة وأربعين من الكفاح البطولي يبلغان درجة أنه لا يمكن لجميع عناصر التخريب والمنظّرين الغادرين لبعث الاضطراب في العالم مجتمعين في خدمة الإمبريالية أن يعكّروا صفو الأمن الداخلي أو يعرقلوا التوجه الاشتراكي لثورتنا.

عندما طولبنا من الخارج من قبل أحد على درجة كبيرة من الجبروت بأن نغيّر هذا التوجّه، كان رد شعبنا الإعلان في دستور الجمهورية الطابع غير القابل للعزل للاشتراكية في كوبا. ليس هناك من خيار آخر أمامهم غير اختراع الخدع والأكاذيب التي يغذون بها آمالهم الهزيلة والتافهة.

كمخاطر داخلية، أفكر بشكل أساسي بمخاطر من النوع الاجتماعي أو الأخلاقي التي تضر بمواطنينا أو تلحق الأذى بأمنهم أو تعليمهم أو صحتهم. إنه لمعروف جداً ما بلغه كفاحنا ضد عادة التدخين وكم بلغ استهلاك السجائر من انخفاض. وبذات النحو نكافح التمادي في استهلاك الكحول أو ضد الفعل المؤلم المتمثل في استهلاكه أثناء فترة الحمل، الأمر الذي يمكنه أن يؤدي إلى ولادة أطفال متخلفين عقلياً أو مصابين بعوائق جسدية أخرى.

حيال ظهور استهلاك المخدرات المستجدّ، والتي تصل إلى سواحلنا كرزم تأخرّ المهربون الدوليون في التقاطها في عرض البحر، لم نتردد لحظة واحدة في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة للوقاية من هذه الآفة المريعة التي تنزل بالأغلبية الساحقة من مجتمعات الأرض وهزم هذه الآفة. كنا قد فكّرنا سلفاً بأن أي إشارة لهذه القضية يمكنها أن تعود بسيل من الدعاية كما لو كنا الحالة الأسوأ وليس الأفضل، بدون أي مقارنة بفعل نقاء مجتمعنا في هذا المجال. ولكننا لم نتردد في فعل ذلك. وجميع المعارك خضناها دائماً وكسبناها دائماً بدعم الشعب. ما زال هناك معارك أخرى بانتظار خوضها، يحتاج بعضها لما يكفي من الوقت، لأنها مرتبطة بعادات قديمة، أو أنها تعتمد على عوامل مادّية ليست بمتناول أيدينا بالكامل. غير أنه لدينا أسلحة لا تقهر. السلاح الرئيسي هو سلاح التربية. مع أننا كرّسنا لها أحد أكبر الجهود التي قام بها أي شعب من الشعوب، كما كنّا بعيدين بعد عن إدراك قوتها الهائلة الكامنة، ولكن بشكل أساسي الاستخدام الأمثل للرأسمال البشري الهائل الذي كنّا قد خلقناه. كل شيء سيتغيّر وسرعان ما سنكون الشعب الأكثر تعليماً وثقافة في العالم. ولا يراودنّ الشك أحداً داخل كوبا وخارجها.

يتم التقدم بذات الاندفاع في مجال الصحة، حيث أصبحنا نشغل أحد الأمكنة الأولى في العالم. وفي هذا القطاع أيضاً سيكون الرأسمال والخبرة المتراكمة عاملين حاسمين.

ستتقدم الثقافة والفنون والعلوم.

سنرتفع بالرياضة إلى أسمى الدرجات.

إنما أذكر أنا أمثلة متفرقة من المهام الكبرى التي تنتظرنا. لن تذهب أي واحدة محلاً للنسيان.

وكالعادة، سيكون من الأفضل أن تتحدث الأفعال بدلاً من الأقوال.

النظام الرأسمالي الإمبريالي المتدهور في مرحلته "العولمة النيوليبرالية" أصبح يفتقد للحلول لكبرى مشاكل البشرية، التي تضاعف عدد نسماتها أربع مرات خلال قرن واحد بالكاد. ليس أمامه أي مستقبل ممكن. إنه يدمّر الطبيعة ويضاعف الجوع. وتجربتنا النبيلة والإنسانية في العديد من الحقول ستكون مفيدة لشعوب كثيرة في العالم.

في وجه التغيرات المناخية والأضرار التي يلحقها آخرون بالبيئة، والأزمات الاقتصادية، والأوبئة والأعاصير، نجد مواردنا المادية والعلمية والفنية أوفر يوماً بعد يوم. وستشغل حماية مدننا المكان الأول بين جهودنا دائماً. لن يكون لأي أمر آخر أولوية تعلو على ذلك.

أمام مخاطر سياسية واعتداءات تأتي من المخارج، لن يضعف أبداً ذرة واحدة استعدادنا للدفاع عن الوطن وعن الاشتراكية. على العكس من ذلك، إننا نمعن بعمق ويزداد ارتقاؤنا يوماً بعد يوم بمفاهيمنا حول حرب كل الشعب، لعلمنا بأن لن يكون بإمكان أي تقنية، مهما بلغت حداثتها، أن تهزم الإنسان أبداً. ويضاف إلى ذلك أن القناعة والوعي سيكونان أكثر قوة يوماً بعد يوم.

معركة الأفكار، وهي سلاحنا السياسي الأقوى، ستستمر بلا هوادة.

في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الماضي، وليس إلا اليوم الذي يتم فيه إحياء ذكرى بدء حربنا الاستقلالية الأخيرة تلبية لنداء [خوسيه] مارتيه، اجتمع سيّد يدعى جيمس كاسون، وهو رئيس مكتب رعاية مصالح الولايات المتحدة في كوبا، في شقة في هافانا، مع مجموعة من المعادين للثورة، الذين تدفع لهم حكومة الولايات المتحدة، لغاية ليس أقلها إحياء ذكرى "صرخة بايري"، الموعد الوطني والمقدّس بالنسبة لأبناء شعبنا. دبلوماسيون آخرون تلقوا الدعوة، ولكن هذه الشخصية العتيدة وحده هو الذي حضر الحفل.

ولكن الأمر لم يقتصر على حضور متكتم. فحين سأله صحافي عمّا إذا لم يكن حضوره تأكيداً لاتهامات الحكومة الكوبية، أكد كاسون: "لا، فأنا أعتقد بأنهم قد دعوا جميع أعضاء السلك الدبلوماسي ونحن كبلد ندعم دائماً الديمقراطية والأشخاص الذين يناضلون من أجل نيل حياة أفضل. أنا هنا كمدعو".

"أنا لست خائفاً"، هذا ما رد به بلا مواربة على سؤال آخر من الصحافيين عمّا إذا لم يكن بالإمكان تفسير حضوره على أنه بادرة غير ودية تجاه الحكومة الكوبية، التي تُظهر المنشقين على أنهم مجموعات تحريضية.

وفيما بعد، وعلى نحو فظ وذامّ، أضاف بلغة إسبانية واضحة: "للأسف، الحكومة الكوبية هي التي تخاف، تخاف من حرية الوعي، تخاف من حرية التعبير، تخاف من حقوق الإنسان. إن هذه المجموعة تثبت بأن هناك كوبيين لا يخافون. إنهم يعرفون بأن الانتقال إلى الديمقراطية يشق طريقه. نريدهم أن يعرفوا بأنهم ليسوا بمفردهم، أن العالم بأسره يؤيدهم. نحن كبلد ندعم الديمقراطية، والأشخاص الذين يناضلون من أجل حياة أفضل ومن أجل العدالة".

يقول البيان الصحفي: "رغم أن دبلوماسيين أجانب يجتمعون عادة بمنشقين، ليس من المعتاد أن يظهروا في احتفالات عامة أو أن يعبّروا للوسائل الصحفية عن آراء حول الحكومة".

"أنا هنا كمدعو وسوف ألف كل البلاد لزيارة جميع الأشخاص الذين يريدون الحرية والعدالة".

يدرك أي مواطن كان بأن الأمر يتعلق باستفزاز لا وجل فيه وتحدٍّ. يبدو أنه، هو والذين أوعزوا إليه بارتكاب هذه الفظاظة من قبل عربيد ذي حصانة دبلوماسية، إنما هم يظهرون الخوف بالذات. فخلافاً لذلك، يضحي من الغريب جداً، أن من حق أي كان أن يسأل كم يبلغ عدد زجاجات المشروبات الكحولية التي تم جرعها في ذلك الحفل "بالغ الوطنية".

بما أن كوبا تشعر بالخوف الكبير فعلاً، ستأخذ كل ما تحتاجه من الوقت لتقرر بهدوء أي سلوك يجب اتباعه مع هذا الموظف الغريب. ربما يكون بوسع العديد من أعضاء وكالات التجسس الأمريكية العاملين في مكتب رعاية المصالح هذا أن يشرحوا له أن بإمكان كوبا الاستغناء براحة نفس عن هذا المكتب، الذي يقوم بالتغطية على معادين للثورة وهو مقر قيادة أكثر الأعمال التحريضية فظاظة بحق بلدنا. الموظفون السويسريون الذين مثلوهم خلال سنوات طويلة قاموا بنشاط رائع ولم يكونوا يقومون بأعمال تجسسية ولا نظموا أعمال تحريضية. إذا كان هذا هو ما يرغبون بالتسبب به عبر تصريحات بهذا القدر من الإساءة، من الأفضل أن يكون عندهم الخجل من النفس والجرأة على قول ذلك. يوماً ما، لا يهم متى، سيرسل شعب الولايات المتحدة نفسه سفيراً حقيقياً لبلاده: "بلا خوف ولا شائبة"، كما كان يقال عادة عن الأسياد الإسبان.

في مجال الاقتصاد سنقوم بتطبيق خبرات جديدة اكتسبناها في الآونة الأخيرة. وإنتاج النفط وتوفيره سيتواصلان ارتفاعاً.

إننا في ظروف تسمح لنا أكثر من أي وقت مضى بزيادة الفاعلية وإحلال قدراً أكبر بكثير من الالتزام في شركاتنا، التي، وفي إعطائها الأولوية للتمويل الذاتي بالعملة الصعبة، ترتكب أحياناً أخطاء تؤثّر في نهاية المطاف على الموارد المركزية للبلاد.

لقد تعلمنا الكثير وسنواصل تعلمنا الكثير. هناك مصادر جديد للدخل تنشأ، والصرامة في إدارة الموارد يجب أن تزداد. عادات سيئة قديمة وجديدة يجب القضاء عليها. الرقابة الدائمة هي ثمن النزاهة والفاعلية.

لقد أنجزت الجمعية الوطنية السابقة مرحلة تاريخية هامة. لا ينبغي على هذه الجمعية أن تتخلف عنها ولا يمكنها ذلك. الانتخابات العامة السابقة كانت الأفضل في تاريخنا. لا أقول ذلك استناداً إلى الأرقام، التي تحسّنت جميعها، ولكنها بالكاد تعطي فكرة عن الجودة لأنها أصبحت مرتفعة جداً. إنما أقول ذلك استناداً إلى الحماس ما فوق العادي عند الناخبين، والذي استطعت رؤيته بأم عيني، والخبرة المتراكمة على مدة سنوات كثيرة. من الصعب أن يخطئ المرء في ذلك. لم يسبق لي أن شاهدت شيئاً مشابهاً. وفي هذا الحماس كانت تكمن كل ثمار معركة أفكارنا والنمو المتسارع لثقافتنا السياسية.

أتوجه إليكم جميعاً، أيها الرفاق النواب، وإلى شعبنا الحميم، بالشكر، باسم مجلس الدولة، علىالثقة الجديدة التي تضعونها بنا، وفي حالي أنا خاصة بعد أكثر من خمسين سنة من النضال الثوري، الذي لم يبدأ يوم نشبت المعركة الأولى بالذات. نعرف بأن الوقت يمضي والطاقات تنفد.

لعل الكفاح المتواصل درّبنا على خوض كل هذه المعركة الطويلة. أعتقد أنه يمكن للسر أن يكمن في قوة حلم عظيم، قوة حماس لا ينفد وقوة حب لقضيتنا النبيلة التي نمت في كل يوم؛ ولكن لهذه الحياة قوانينها التي لا مفرّ منها.

أعدكم بأن أكون معكم إذا كنتم ترغبون بذلك ما دمت أعي بأنه يمكنني أن أكون نافعاً وإذا لم تقرر ذلك الطبيعة نفسها، لا أقل من ذلك بدقيقة ولا أكثر منه بثانية.

أدرك الآن بأن قدري لم يكن المجيء إلى العالم من أجل الراحة في نهاية العمر.

عاشت الاشتراكية‍!

عاش الاستقلال!

عاش السلام!