الخطاب الذي ألقاه رئيس جمهورية كوبا، فيدل كاسترو روز، في الاحتفال بمناسبة عيد العمال العالمي، الذي أقيم في ساحة الثورة في الأول من أيار/مايو 2005

 

(تصفيق وهتافات)

اسمعوا، اسمعوا، تحمّلوا القليل بعد، فاليوم ولحسن حظكم لن أطيل كثيراً (أصوات مرتفعة تقول: "لا"). الطقس يساعدنا، فلاحِظوا البرودة والظل المتوفر هنا.. كل شيء لصالح قضيتنا النبيلة.

حضرات الشخصيات والمناضلين من أكثر من ستين بلداً ممن تشاركونا هذا الاحتفال التاريخي بمناسبة الأول من أيار/مايو؛

حضرات المندوبين إلى اللقاء القارّي الرابع لمناهضة "منطقة التجارة الحرة الخاصة بالأمريكتين" (ALCA) ومن أجل "الخيار البوليفاري الخاص بالأمريكتين" (ALBA

يا أبناء كوبا كلها الأعزّاء:

في وجه أعتى إمبريالية عرفها تاريخ البشرية، سعت في الماضي لتدمير هويّتنا كأمة مستقلة كما تسعى لذلك اليوم مع وجود ثورة لا مناصّ منها، ها نحن هنا، في هذه الساحة المجيدة، بعد أكثر من ست وأربعين سنة من النضال البطولي، الذي تحطّمت على صخرته افتراءاتها الأكثر غدراً وجرائمها الأكثر فظاظة.

على مسافة تسعين ميلاً من تلك القوة العظمى، ترتكب كوبا اليوم وستواصل ارتكابها –لا يشكّنّ أحد في ذلك- خطيئة الوجود.

تبدو أكثر تفاهة وعجزاً ومبعثاً للخجل يوماً بعد يوم خدع الحرب الإلكترونية التي يُزعم بأن كوبا عاكفة على الاستعداد لخوضها؛ والأكذوبة الكبرى التي تتحدث عن صناعتنا لأسلحة بيولوجية، وهي أكذوبة اضطلع بها المتهيّج جون بولتون، الذي يسعون إلى عرض قناعه الدنيء –وربما يحضرهم كل الحق في ذلك- على أنه الرمز الأمثل لحكومة الولايات المتحدة أمام منظمة الأمم المتحدة.

لقد فشلت حربهم الأيديولوجية المتجددة عبر المحطات الإذاعية والتلفزيونية المعادية لكوبا على رأس حشد من المحطات الإذاعية التحريضية التي غزوا أو حاولوا أن يغزوا بها فضائنا الإذاعي الإلكتروني؛ ومحاولة عزل كوبا على الساحة الدوليّة؛ والترويج وتشجيع مرتزقة كسالى واستخدامهم كأحصنة طروادة داخل البلاد؛ والتحركات الفظة التي يمارسها مكتب رعاية المصالح بقياد رجل مستفزٍّ تم اختياره وتوجيهه خصّيصاً لكي يتسبب بالدفع إلى طرده بركلة يستحقها في المؤخرة؛ ونوايا خنقنا عبر تشديد الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي المجرم.

على العكس من ذلك، تتوطّد مكانة كوبا ويتسع إطار علاقاتها الاقتصادية الدولية وتنمو التجارة مع منتجين أمريكيين، بالرغم من العثرات العديدة المفروضة من قبل سيّد البيت الأبيض الغشّاش والمخادع.

وفشلت أيضاً المناورة الرامية لحرمان بلدنا من استخدام الدولار، الذي تم طرده اليوم على نحو مهين من أراضينا، التي حكم فيها خلال مرحلة قاسية من الفترة الخاصة كما لو كان هو لويس الرابع عشر بين العملات.

لقد دُحرت كل مشاريع الاعتداء على شعبنا. وها نحن هنا، أكرر، أقوياء أكثر من أي وقت مضى، ومتّحدين أكثر من أي وقت مضى، وعازمين أكثر من أي وقت مضى على السير قدماً بالإنجاز ما فوق العادي المتمثل بإقامة مجتمع أكثر عدالة، وأكثر تضامناً، وأكثر إنسانية، وأكثر ازدهاراً، كأرض موعودة بمتناول أيدينا على المدى المنظور.

من بين الاستراتيجيّات الشرّيرة المعادية لبلدنا التي لجأت إليها الحكومة الأمريكية، يأتي لجوئها إلى مورد إدراج كوبا ضمن القائمة الزائفة والوقحة للبلدان الإرهابية.

خلال هذا الأسبوع بالذات الذي يتكلل اليوم، عاودت وزارة الخارجية الأمريكية نشر قائمتها المجدَّدة، ويتم فيها التأكيد على نحو فاسد ووغد: "واصلت كوبا معارضتها النشطة للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في حربه ضد الإرهاب العالمي".

لماذا يتوجّب على كوبا أن تتبع الوجهة التي تسير فيها حكومة بلطجيّة ومبيدة لأبناء البشر؟

بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 والهجوم الوحشي المرتكب على البرجين التوأمين، الذي خطّط له ونفّذه قادة متعصّبون على صلة مالية بالسلالة الحاكمة اليوم في البيت الأبيض، والذين تم أيضاً تدريبهم واستخدامهم من قبل الخدمات الخاصة الأمريكية، تركزت سياسة الإمبراطوريّة على ما وصفته بأنه حملة صليبية عالمية على الإرهاب، وهو إرهاب اخترعوه هم ضد كوبا وفيتنام وبلدان أخرى ليتحوّل لاحقاً لمأساة عالمية. تم إعلان العقيدة النازية المتمثلة بالهجوم الوقائي والفجائي على "أي ركن مظلم في العالم". وتم ذكر رقم ستين أو أكثر من الدول كأهداف محتملة –ومن بينها كوبا طبعاً-، وكما لوحِظ،، يظهر بينها شعبنا في المكان الأول من بين الأهداف المحتملة.

ولا يستغربنّ أحد استخدامنا لأقسى النعوت، بأعمق درجة من الاحتقار، ضد هذه التهديدات التي تبلغ كل ما تبلغه الإثيلية والجنون.

بهذه الحجة بدأت الحروب التي زُعم بأنها تستهدف مكافحة الإرهاب.

لقد حذّرت كوبا في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر نفسه من جنون ذلك المفهوم، ونبّهت إلى أنه ليس من شأن الحروب أن تشكل أبداً حلاً للمشكلة.

تعكس تقارير أصدرها "مركز مكافحة الإرهاب" الأمريكي في هذه الأيام بأن عام 2004 شهد من الأعمال الإرهابية الهامة ثلاثة أضعاف ما شهده عام 2003 (651 مقابل 175).

حين شنت الحكومة الأمريكية غزوها الذي لا مبرّر له على العراق، شهرت حجة كاذبة عن وعي: وجود أسلحة دمار شامل. والحقيقة أن الهدف كان النفط؛ فقد تعلّق الأمر بحرب فتح فظة. وخطاب بوش المنافِق القائل بأن العالم اليوم هو أكثر أمناً مما كان عليه قبل أربع سنوات سحقته الأدلّة المؤلمة.

ما هي المصداقية التي يمكن أن تستحوذها الفزّاعة الوقحة التي أعدتها وزارة الخارجية، والتي ارتكبت أيضاً خطأ وضعها في المكان الأول البلد الذي يبعث عندها أقل قدر من الخوف وهو الأكثر قدرة على كشف القناع عن أكاذيبها الدنيئة؟

فوق ذلك، ترتكب حكومة ذلك البلد غباء التأكيد بأن "أكثر ما يبعث القلق هو أن لدى تلك الدول (ومن بينها كوبا في المكان الأول) القدرة على صنع أسلحة دمار شامل وغيرها من تكنولوجيات زرع الاضطراب التي يمكنها أن تقع بين أيدي الإرهابيين". ويأتي هذا في الوقت الذي يخضع فيه جون بولتون، وهو المخترع الخارج عن صوابه لهذا المسخ، لمساءلة  العديد من أهم الخدمات التجسسية الأمريكية، التي صبّ جام سخطه على موظفين شرفاء فيها ممن تجرأوا على معارضة أكاذيبه الفاجرة ولا تستند إلى أي أساس. وسائل صحفية هامّة، بل وما هو أكثر إثارة للقلق بالنسبة للمافيا المتطرف والجانحة للحرب والقاتلة، أعضاء لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، يبدون جزعين من هذا السلوك غير المعهود البتة.

الأهداف الشريرة من وراء هذه الأكاذيب هي معروفة. فبالإضافة لهذا السلوك الهستيري، جاءت برقية صحفية يوم الجمعة الماضي، التاسع والعشرين من نيسان/أبريل، لتبلغ أن رئيس الولايات المتحدة المرموق جداً قد وجّه تعليماته للتو لوزارة المالية بأن تسلّم مبلغاً كبيراً من الأموال الكوبية المجمّدة لتلبية دعوى عرضتها المافيا الكوبية-الأمريكية المتطرّفة الإرهابية.

وما لا يمكن فهمه ولا إيجاد تفسير له من سلوك حكومة الولايات المتحدة هذا في الحقيقة هو أنها تنشر الوثيقة المذكورة في اللحظة التي تتورط فيها الإدارة الحالية في أحد الفصول –اسمعوا جيداً- الأكثر حرجاً وحساسية من مغامراتها الإرهابية واعتداءاتها وأكاذيبها ضد كوبا. أتراهم أغبياء؟

العالم بأسره يعلم بأن لويس بوسادا كارّيليس، وهو أشهر إرهابي في النصف الغربي من الكرة الأرضية والأكثر وحشية، كما تعترف بذلك أهم الوسائل الصحفية في هذه المنطقة من العالم، قد دخل إلى أراضي الولايات المتحدة وطلب اللجوء من حكومة ذلك البلد، الذي يموت أبناؤه يومياً وأصبح عدد قتلاه يصل إلى نحو ألفين باسم الحرب على الإرهاب التي تم شنها اعتباراً من أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001.

أبناء وطننا، الذين تابعوا عن كثب هذه الفضيحة التي لم يسبق لها مثيل، يعرفون تماماً ما الذي أقصده. لا بد وأن كثيرين منهم يتساءلون في هذه اللحظات ما إذا كانت إدارة جورج دبليو بوش قد أنجبت الوحش الذي يثقل حمله أحشاءها. الجواب: ما زالت عملية الولادة تتأخر على نحو لا يصدّق، رغم أنه يمكن للقضية أن تشكل خطراً على حياة الأم وحياة الابن على حدّ سواء، وعدد المولِّدين والذي يضعون أيديهم في القضية يزداد يوماً بعد يوم.

بما أننا كرّسنا كل الجهود خلال الأيام الثلاثة الأخيرة للاتفاقات والوثائق الموقّعة بين جمهورية فنزويلا البوليفارية وكوبا، وعلى نحو خاص للأحداث المتعلّقة بزيارة قائد الثورة البوليفارية، شقيقنا الحميم هوغو شافيز فريّاس (تصفيق)، والقفزات التاريخية الآخذون بتحقيقها خلال الفترة القصيرة جداً من الوقت في مسيرتنا السريعة نحو تكامل شعوب أمريكا اللاتينية والكاريبي، بعد مائتي سنة من بدء نضالاتها من أجل الاستقلال، وخضوعها حتى اليوم لهيمنة ونهب الاستعمار والإمبريالية، اللذين أدّيا بها إلى وضع لم يعد قابلاً للديمومة، فإننا لم نتمكّن من الاهتمام بالوضع المفصلي الناجم عن الوضع الخاص المتأتي عن عودة الوحش إلى المكان الذي أوجدوه ودرّبوه فيه ليرتكب السلسلة الطويلة من الجرائم التي ارتكبها ضد الشعب الكوبي وشعوب أخرى.

في هذا اليوم بالذات، بينما يجري الحديث عن تلك الجريمة المرتكبة في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1976 في باربادو عبر تفجير طائرة الرّكّاب وزهق أرواح أكثر من سبعين شخصاً؛ مرّ بين ذلك الموعد وبين اليوم الذي قتلوا فيه الشاب الإيطالي في أحد فنادق العاصمة، عشرون سنة مليئة بأعمال القتل والجرائم المرتكبة على يد حكومة الولايات المتحدة باستخدام مرتزقة وإرهابيين من منزلة بوسادا كارّيليس.

ولا يمكن أيضاً نسيان أكثر من 45 سنة من الاعتداءات وأعمال الغزو المرتزقة وهجمات القرصنة وأعمال التخريب والحرب القذرة التي كلّفت، في خضم حصار وحشي ولا يرحم، أرواح آلاف مؤلفة من أبناء وطننا، ممن ذهبوا ضحية تلك الأعمال الإرهابية. كيف يمكن لحكومة الولايات المتحدة، وخاصة الحكومة الحالية، أن تتهم كوبا، الضحية، وتضعها في المكان الأول في قائمة الإرهابيين، بينما ما توجّب عليها فعله هو وضعها في المكان الأول لقائمة البلدان التي ذهبت على مدى نصف قرن من الزمن ضحية الإرهاب الإمبريالي؟ (تصفيق وهتافات)

بما أنه مرّت اثنتان وسبعون ساعة بدون أن تردنا أنباء عن عملية الولادة، سأشرع على الفور بالعرض عليكم وبأكبر إيجاز ممكن –مع الأخذ بعين الاعتبار عامل الوقت والجهد الذي بذلتموه خلال الساعات الاثنتي عشرة الأخيرة- الخطوط العريضة لبعض من آخر الأنباء الواردة.

أبلغت صحيفة "إلـ نويفو هيرالد" في التاسع والعشرين من نيسان/أبريل بأنه حيال طلب التسليم الذي تقدّمت به فنزويلا، يستعد المتواطئون مع الإرهابي لتعزيز الفريق القانوني.

سنتياغو ألفاريز، الإرهابي المعروف والمتواطئ مع بوسادا كارّيليس، صرّح بأنه "يجري تعزيز التمثيل القضائي بمحامين من أصول مختلفة".

واستناداً لما ذكرته الصحيفة فإن من بين المحامين الذين تم التعاقد معهم لمساعدة الإرهابي يأتي كل من المدّعي العام الأسبق لميامي، كيندال كوفيه، الذي قاد الفريق الشرير من المحامين الذي حاول الإبقاء على الطفل إليان غونزاليز مخطوفاً؛ وخواكين شافارديت، وهو محامٍ من المافيا أيضاً معروف جداً في فنزويلا، وهو الذي مثّل بوسادا خلال المحاكمة التي أجريت في كركاس بسبب تفجير الطائرة الكوبية، وهو على ارتباط وثيق بريكارد كويسلينغ، ممثل المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي في فنزويلا وأحد الذي وقفوا وراء محاصرة السفارة الكوبية خلال الانقلاب قصير العمر في الحادي عشر من نيسان/أبريل 2002 في جمهورية فنزويلا البوليفارية.

وتتحدث روايات ذكرتها الصحيفة عن مثول بوسادا كارّيليس "المرموق" أمام الصحافة في القريب العاجل.

سنتياغو ألفاريز فيرنانديز ماغرينيات، وهو ذات الشخص المذكور سابقاً والذي قام بنقل لويس بوسادا كارّيليس من جزيرة "موخيريس" إلى مدينة ميامي بين السادس عشر والثامن عشر من آذار/مارس، أي قبل 44 يوماً من اليوم، قال بكل تصلّف في مقابلة أجرتها معه يوم أمس قناة تلفزيونية من ميامي بأن بوسادا كارّيليس "بخير، يمارس الرسم، ويستمع للموسيقى ويقرأ". وقال حرفياً بأنه "من المحتمل جداً أن يتم استدعاءه في الأيام المقبلة إلى الهجرة، وحالما يمثل أمام الهجرة سيكون عليكم أن ترونه وأن تتحدثوا معه. (...) يجري التحضير لكي يقوم في الأيام المقبلة بمنح مقابلة محدودة حالما يرى المحامون ذلك ملائماً، لكي يبلغ عن بعض النقاط التي تحتاج لإجابات". الحقيقة أن هناك مائة نقطة بحاجة لإجابات، وحضرتكم تعرفون ذلك تماماً، سيد جورج دبليو بوش.

واستناداً لما ذكرته صحيفة "هيرالد" –وأنتم تعرفون بأنها صاحبة علاقات بالمافيا، وأقصد بشكل خاص ما تسمى "إلـ نويفو هيرالد"- فإن مصادر في العاصمة الأمريكية أكدت بأن طلب بوسادا للّجوء قد نزل على أوساط أمريكية رفيعة المستوى "كدلو من الثّلج". "لقد خلق الكثير من الخلاف السياسي"، هذا ما قاله موظف رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويّته. وأضاف: "إنها اللحظة الأسوأ التي يمكن لهكذا أمر أن يحدث فيها". اسمعوا عبارة هذا الموظّف: "إنها اللحظة الأسوأ التي يمكن لهكذا أمر أن يحدث فيها".

وتشير أنباء واردة إلى أن إدارة بوش لا تدري كيف تخرج من هذه المشكلة المعقدة والمحرجة. إنها قنبلة مؤقتة بين أيديهم. ما داموا اختاروا اللعب بالإرهاب، خلقه ودعمه وتطويره، ليس هناك من غرابة أبداً في وقوع قنبلة مؤقتة بين أيديهم.

ويجري التأكيد أيضاً بأنه حتى المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي المُضعَف، وهو حامي بوسادا كارّيليس ومموّله، بتنسيق وثيق مع حكومات الولايات المتحدة، يشعر بالقلق لأنه يمكن لهذه القضية أن تزيد من قذارة صورته السياسية البالية، كما أنه يخاف من إقدام الإرهابي على مطالبتها بالمزيد لأنه يعرف أموراً كثيرة.

أما في بعض الأوساط الصحفية في نيويورك فيجري الحديث عن أن حكومة الولايات المتحدة تقوم بمساعٍ حثيثة مع عدة بلدان أمريكية أوسطية من أجل نقل الإرهابي سرّاً إلى أي من بلدان المنطقة.

ويجري الحديث من ناحية أخرى عن تأكيدات مفادها أن الحكومة السلفادورية قد أعلمت الولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة بأنها لا تريد بوسادا كارّيليس في أراضيها، وقليل هو احتمال استقبالها للإرهابي. البلد الوجهة النهائية له يعتمد على الضغوط التي تمارسها وزارة الخارجية. سوف نعرف النتائج التي تحققها السيدة المرموقة التي تشغل منصب وزيرة الخارجية، والتي تتجول اليوم في هذا الجزء من القارة لبحث مواضيع تتعلق بالديمقراطية وبعدم القدرة على الحكم والقدرة على الحكم فيه. ولا حتى هم قد علموا بما يحدث الآن، ولا هم يتنبّهون إلى أنه خلال أسبوع واحد، أسبوع واحد فقط، وقعت ثلاث حكومات في أزمات حادة.

وعلّق الصحافيون بأن كشف كوبا لهذا الموضوع قد فاجأ سلطات الولايات المتحدة، التي تعرف حساسيته وقد تراجعت عن أي نية كانت لديها بقبول وجود بوسادا في أراضيها.

أحد الخطباء البارزين الذين سبقوني –شفيق- تحدّث عن "كرة البطاطا الساخنة". الكوبيون يعرفون تماماً ما هي كرة البطاطا الساخنة، الخارجة للتو من المقلاة، وربما من طنجرة الضغط، وهي محترقة: تحرق اليدين، تحرق الشفتين، تحرق اللسان، تحرق كل شيء. وهذا هو حالهم مع كرة بطاطا خاصّة، لا تريد أن تبرد، وبالإضافة لذلك لن ندعها نحن أن تبرد (تصفيق).

يجري الحديث في أوساط سياسية سلفادورية عن رأي بعض مسؤولي حزب "ARENA" الحاكم بأن عدم مساعدة بوسادا هو مشكلة.

وفي هذا الإطار، من شأن وزير الداخلية السابق وتاجر البن ماريو أكوستا ويرتيل، "وهو صديق حميم لبوسادا وجماعة ميامي"، أن يكون الشخص المكلّف تحريك موضوع الإرهابي في السلفادور، إذ أن هذا هو صاحب الرأي القائل بأن عدم مساعدة بوسادا يعني مشكلة.

زوجة أكوستا هي ابنة خالة الإرهابي المعتقل في كوبا، أوتو رينيه رودريغيز جيرينا.

وحسبما ذكر صحافيّون من شبكة تلفزيونية أمريكية هامّة فإن زملائهم في ميامي يقولون بأنهم على قناعة بأن كارّيليس يختبئ في أحد المنازل في فلوريدا.

ويرى مراسلو تلك الشبكة في ميامي بأن مكتب التحقيقات الفدرالي يعرف أين هو بوسادا ومن يرافقه، وكأحد الخيارات التي يبحثها من أجل إرغامه على المغادرة لا يستبعدون إقدامه على استخدام إجراء توجيه التهمة لمن يخبئه ومن أدخله ومن سمح له بالدخول والذين يعرفون كيف دخل وأين هو ولا يقولون شيئاً.

ويؤكدون بأنهم لا يفهمون لماذا لم يعتقل مكتب التحقيقات الفدرالي بوسادا، فالإرهابي موصوم بصفة فار من وجه العدالة الفنزويلية من قبل حكومة سابقة للرئيس شافيز.

غير أنهم يقولون بأنه لا يمكنه أيضاً إرساله إلى فنزويلا لأن الحكومة الأمريكية على قناعة بأن ذلك أشبه ما يكون بتسليمه لكوبا.

لاحِظوا ما هي عليه من مغالطة. كوبا بالذات تنازلت منذ اللحظة الأولى عن حقّها بمحاكمته، وهو الحق الأكثر شرعية بين جميع الحقوق، لأن أبنائها، وبأعداد كبيرة جداً، هم الذين ذهبوا ضحية جرائم هذا الهمجي، الذي صنعته ودرّبته الولايات المتحدة واستخدمته خلال عشرات السنين. خلافاً لذلك، كيف يمكن تفسير كل شيء، أو كيف يمكن تفسير عملية الابتزاز المشينة التي يُخضِعون لها حكومة أقوى قوة عظمى عرفها التاريخ أبداً؟

ويرى المراسلون بأنه ربما يكون مكتب التحقيقات الفدرالي عاكفاً على الدراسة الدقيقة لعواقب أي خطوة يقوم بها، ويقدّرون بأن إدارة بوش لم تقرّر بعد كيفية مواجهة القضية-إنهم في الحقيقة طرشان، مشلولين، محتارين-، ولكنهم يفترضون أنه حين يخرج بوسادا للعلن يكون لدى مكتب التحقيقات الفدرالي خطة جاهزة في هذا الشأن.

ويعلّق صحافيون من تلفزيون ميامي بأن الشبكات الرئيسية في الولايات المتحدة تتقفّى أثر بوسادا ويوشك بعضها على معرفة مكان وجوده. وهناك روايات تتحدث عن اختبائه في منزل باهظ الثمن، تقدَّر قيمته بثلاثة ملايين دولار ويقع في حيّ متميّز من أنحاء ميامي. لا بدو أنه في ذلك المكان هو يقرأ ويسمع الأخبار ويرسم، كبيكاسّو جديد، هناك في كهوف الإمبراطورية التي تتمثّل سياستها وفكرها الثقافي، على الأقل حكومتها الحالية، بالتمتع برسّامين أصحاب أيدي ملطّخة بالدماء، وفي ذهنهم ذلك التأكيد البربري: "زرعنا القنبلة، وماذا؟"، أو تلك العبارة الشهيرة التي قالها في حديثه عن الشاب الإيطالي جيوستينو دي شيلمو: "كان يتواجد في المكان الخاطئ وفي اللحظة الخاطئة". ويبدو الآن أنه هو ورئيس الإدارة الحالية يتواجدان في المكان الخاطئ وفي اللحظة الخاطئة (تصفيق).

لاحِظوا، ما لم يتمكن المائة وثمانون ألف رجل العاملون في وزارة الأمن، ولا الاثنتان وعشرون هيئة التي تتعاون وتشارك في مكافحة الإرهاب وفي حماية الأمن الداخلي للولايات المتحدة، ولا الخمسة عشر هيئة تجسسية التي تتمتع بميزانية تبلغ بمئات الآلاف من ملايين الدولارات؛ ما لم تستطِع هذه كلها فعله ولم تستطع العثور عليه، سينتهي الأمر بالوسائل الصحفية الأمريكية أن تفعله وتكتشفه.

كما يقولون بأن مكتب التحقيقات الفدرالي لا يقوم بمراقبة المنطقة التي يفترض بأن بوسادا يتواجد فيها، وأن إدواردو سوتو، محامي الإرهابي، قد فضّل الإدلاء بتصريحاته ومقابلاته العلنية للتلفزة الناطقة بالإسبانية من دون أن يأخذ بعين الاعتبار أن بوسادا قد تحوّل إلى الهدف ذي الأولوية بالنسبة لمعظم الشبكات التلفزيونية في البلاد، والتي بدأت تتحرك سعياً لمعرفة مكان وجوده وتصويره، وأنه إذا لم يكتشف مكتب التحقيقات الفدرالي مكان وجوده فإن الشبكات التلفزيونية ستفعل ذلك.

في رسالة بعث بها السناتور الجمهورية نورم كوليمان مؤخراً يؤكد بأن وزارة أمن الوطن الأمريكية قد تلقت طلب لجوء باسم بوسادا كارّيليس.

تذكّروا بأن جامعة العلوم المعلومات كانت عاكفة قبل أيام قليلة على البحث عن الاستمارة التي تشير إلى واجبات المحامي أو أي كان يقدّم وثيقة طلب لجوء، وأن القوانين تفرض عقوبات بالسجن لعدة سنوات على الذين ينتهكون هذه الشروط. ماذا يقول القانون يا ترى عن الذين يشغلون مناصب هامة، بل هامة جداًُ، وهم متواطئين مع عملية الإخفاء هذه، متواطئين مع هذا الإرهابي، سواء كان بالنسبة للسماح له بالدخول، أو ربما ما هو أسوأ، وهو أن يكون قد دخل بدون موافقتهم المسبقة؟ وتوجد هناك حكومة مشلولة منذ شهر ونصف، عاجزة عن اعتقال الإرهابي وكل المتواطئين الأقل منه مرتبة، ممن تجاهلوا أوامر السلطات العليا.

رسالة السناتور هذه تعني أنه وأخيراً أصبحت هناك أنباء عن وثيقة محفوظة بحذر كنّا نعكف على البحث عنها باهتمام خلال الأيام القليلة الماضية.

ماذا تقول هذه الرسالة حرفياً؟

"حضرة السيد هوغس العزيز:

أشكركم على ما خصصتموه من وقت للاتصال بي بشأن السيد لويس بوسادا كارّيليس.

السيد كارّيليس، كما تعرفون، تمتع بالعفو الذي منحته إياه الرئيسة البنمية ميريجا موسكوسو في السادس والعشرين من آب/أغسطس 2004. محامي السيد كارّيليس ادّعى بأن هذا قد دخل أراضي الولايات المتحدة قبل عدة أسابيع عبر المكسيك.

لقد نقلت مخاوفكم إلى وزارة أمن الوطن.

أكدت لي وزارة أمن الوطن بأن محامي السيد كارّيليس قد قدّم طلب لجوء لصالح موكّله. غير أنه بسبب أعمال الإرهاب التي ارتكبها هذا في ماضيه، والتي اعترف هو بأنه قد خطّط لها ونفّذها، فإن كارّيليس ليس كفؤاً للحصول على لجوء.

لا يمكن لوزارة أمن الوطن أن تؤكد بأن بوسادا كارّيليس قد دخل إلى البلاد، ولكنها نبّهت الوكالات الرئيسية المكلفة تنفيذ القانون من وجوده المحتمل..."

إذا أرادت هذه المؤسسة أن تعرف ذلك ليس عليها إلا أن تبحث عن هذا السيد سنتياغو ألفاريز، الذي نقله بالمركِب من جزيرة "موخيريس" إلى ميامي. لن يكون بوسعهم أن ينفوا ذلك أبداً، عليهم أن يبلعوا ما يبدوا لهم بأنه كابوس، ولكنه ليس كابوساً، إنما هو حقيقة لا تُدحَض ولا تُنقَض. بوسعهم أن يستفسروا خلال خمس دقائق عن مكان وجود ذلك المسخ، الذي صنعته السلطات والخدمات الخاصة والحكومة في ذلك البلد.

تواصل رسالة السناتور القول:

"... إذا ما تم العثور على كارّيليس، يمكنه أن يواجه عملية إبعاد فورية من الولايات المتحدة، بسبب نشاطاته الإرهابية السابقة.

أشكركم مجدداً على ما خصصتموه من وقت للاتصال بي. أثمّن نصحكم، وإذا ما كان بإمكاني أن أنفعكم بشيء في المستقبل، لا تترددوا بالاتصال بي من جديد.

مع أطيب التحيات

نرمان كوليمان

مجلس الشبيوخ الأمريكي".

على ضوء ما سبق، فإن الأيام القادمة حبلى بأنباء هامة بالنسبة لنا. فحكومة الولايات المتحدة، الخاضعة لابتزاز الغربان الذين صنعتهم هي، لم تتجرأ على تطبيق المورد الوحيد الذي ما زال أمامها: اعتقال بوسادا كارّيليس فوراً، وتنفيذ القوانين المحلية والدولية ووضعه تحت تصرف المحكمة الفنزويلية التي يجب أن تحاكمه. فقد سبق وذكرت بأن كوبا قد تنازلت بالذات لكي لا تدع لديهم أدنى ذريعة.

توجد في فنزويلا حكومة بوليفارية تتمتع بمكانة رفيعة في العالم، بلد يمتلئ بالصحافيين وبعدد المرات التي يشاؤونه. هل هناك مكان أفضل لمحاكمته يا ترى بعدما تنازلت كوبا؟ أي حجة يمكنهم أن يشهروها الآن لكي لا يقوموا بإرساله إلى هناك؟

بل وأننا طرحنا بأن لفنزويلا الحق أكثر منّا؛ ومع ذلك فإن من شأننا أن نرضى بمحكمة دولية، محايدة كلياً، في مكان يتفق عليه الأطراف لمحاكمة هذا المجرم. وليس أن المسألة تتعلق بشخصية هامة في الحقيقة، المهم في هذه الشخصية هو أنه يكشف أمام العالم النفاق الهائل والأكاذيب وقلة الأخلاق والدناءة التي تقهر الإمبراطورية العالم بها. المهم هو هذا، لا تنسوا ذلك. العالم يطالب بأن تتم محاكمة الظلم، العالم يطالب بأن تتم محاكمة النفاق، العالم يطالب بأن تتم محاكمة الأساليب الإمبراطورية في الخداع والهيمنة أو في المحافظة على سيطرةٍ في العالم هي أقل قدرة على الديمومة يوماً بعد يوم.

وعدت بألا أطيل كثيراً، لم يبقَ إلا أن أشكر الذين تحدثوا هنا (تصفيق).

خشينا من أن تطول مدة الاحتفال. نعرف أننا في الصيف، وحرارة الشمس قوية، وأنكم بدأتم بالاحتشاد، أنتم أبناء محافظة هافانا المجاورة، في الساعة العاشرة من الليلة الماضية، وأنكم قد بدأتم بالتحرك في الساعة الثانية فجراً، في سبيل حشد أكثر من مليون وثلاثمائة ألف مواطن لا يمكن رؤيتهم جميعاً من هنا، لأن كل المساحات الفارغة وكل الشوارع المجاورة لهذه الساحة كانت مكتظة بأبناء وطننا.

تستحقون أنتم أسمى آيات العرفان لروحكم الثورية والوطنية، لدعمكم لهذه القضية النبيلة، لما عبّرتم عنه من كرامة ومن روح ثورية؛ وعلى الصمت المطبق والاهتمام اللذين أصغيتم بهما للكلمات الشجاعة والمحركة للمشاعر والبليغة التي ألقاها كل من صعدوا إلى هذا المنبر اليوم، للتعمّق بمعلوماتنا ومعارفنا عن الأهوال التي ترتكبها الإمبريالية ضد شعوب أمريكا اللاتينية، والذين تعزِّز كلماتهم ثقتنا وقناتنا بأن شعوبنا ستتحرّر وستتحد على نحو وثيق في الدفاع عن ذات القضايا التي ندافع عنها هنا، بنفس اللغة التي تحدثوا هم وغيرهم هنا، بمن فيهم من تحدثوا بالغة الإنكليزية؛ لأنه في نهاية المطاف لن يكون ذلك صعباً، وإذا ما فكّرنا أيضاً بذلك الشعب الذي بدأ نضاله في حقبة زمنية ضد الاستعمار والذي قضى كثيرون من أبنائه في مكافحة الفاشية، فإنهم سينضمون إلى أخوتهم الأمريكيين اللاتينيين في نضالهم من أجل العدالة، في نضالهم من أجل الحقيقة، في نضالهم من أجل بقاء جنسنا، وهو بقاء يتواجد اليوم على كف عفريت.

لن ننسى أبداً هذا الاحتفال، ولن ننسى أبداً الكلمات التضامنية التي ألقاها أشقاؤنا من الجنوب والوسط والشمال. لن تكون اللغة عائقاً، لأن كل الذين ننطق بالإسبانية أو البرتغالية سنتعلّم الإنكليزية، والناطقون بالإنكليزية سيتعلّمون يوماً ما لغة الأمريكيين اللاتينيين، الإسبانية والبرتغالية (تصفيق).

كمّا عبّرت مؤخراً وأصبح شعاراً رئيسياً لمظاهرة الأول من أيار/مايو الحالي: "... في هذه الأرض، في هذه البشرية هناك توق للعدالة". وهذا ما أثبتّموه أنتم هنا اليوم (تصفيق وهتافات: "فيدل، فيدل").

ومع مشاهدتي لهذا الحشد العملاق والمحرك للعواطف والذي لا يُعلى عليه، أتذكّر ذلك الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر 1976 كما لو أنه كان الآن، وهو اليوم الذي شيّعنا فيه جثمان ضحايا عملية الإرهاب الوحشية ضد الطائرة الكوبية في باربادو، والذي حملني على رفع صوتي بالقول: "عندما يبكي شعب هماّم وشجاع، فإن أركان الظلم تهتز!".

سنرى!

عاشت الذكرى الثلاثون –التي نحييها اليوم أيضاً- للنصر المجيد والنموذجي الذي حققه شعب فيتنام البطل، والذي لا ينبغي على الإمبريالية أن تنساه أبداً!

الوطن أو الموت!

سننتصر!

(تصفيق حاد)