بيان الدفاع الذي قدمه الرفيق فيرناندو غونزاليز جورت في جلسة إصدار الحكم القضائي المنعقدة في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر من العام 2001

أصحاب السيادة:

أضم صوتي إلى صوت رفاقي الذين سبقوني في العرفان والامتنان للقدرة المهنية عند السيد ريشارد والمترجمين الذين قاموا بعملهم على أحسن وجه ولل‍ "US Marshalls".

وأضم صوتي إليهم في ما عبّر عنه كل واحد من أخوتي في جلسات إصدار الحكم عليهم. يشرفني التمتع بصداقة هؤلاء الرفاق والأخوة الذين تلقوا بكل شجاعة وكرامة الأحكام القضائية الظالمة الصادرة بحقهم.

وأود أيضاً أن أشكر القدرة المهنية عند المحامين الذين مثلونا نحن الخمسة، وخاصة خواكين مينديز ومكتب محامي الدفاع العام في للدائرة الجنوبية من فلوريدا.

لو لم يكن جلياً بالنسبة لي بأن التعصب والحقد واللاعقلانية ضد كوبا يتولد ويُحفّز عند شريحة صغيرة من الجالية الكوبية الأمريكية المقيمة في هذه المدينة لما رضيت بأن يمثلني عضو من هذه الجالية. إن القدرة المهنية في هذه القضية هي تعبير عن أن أغلبية الجالية الكوبية الأمريكية، وخلافاً لما يريد أن يُظهره أولئك الذين يسيطرون على وسائل الإعلام الناطقة بالإسبانية المتطرفين في معاداتهم لكوبا، تتخذ موقفاً عقلانياً تجاه بلدها الأصلي حتى عندما تكون آرائها معارضة لحكومة كوبا.

وما يثبت ذلك أيضاً هو أن مئات الآلاف من الكوبيين الأمريكيين يسافرون سنوياً إلى كوبا ويرسلون المال إلى ذويهم.

إن الذين يعتقدون بأن الإذاعة الكوبية في ميامي والمنظمات المتطرفة الكوبية تمثل طريقة تفكير أغلبية الكوبيين الأمريكيين المقيمين في هذه المدينة إنما هم يقعون في الفخ الذي نصبه هذا القطاع المتطرف والذي يشكل أقلية، ولكنه قوي اقتصادياً، بإعطائه صورة وحدة وتمثيل لمشاعر مئات الآلاف من الكوبيين الذين يعيشون هنا، وهذه ليست الحقيقة.

أصحاب السيادة:

اعتقدت بأن الادعاء سيأتي اليوم إلى هذه القاعة ليطلب حكماً قضائياً بحقي كناية عن سنة من السجن مع وقف التنفيذ. فبعد كل شيء هذا هو الحكم الذي اتخذه بحق السيد فروميتا عندما اشترى هذا من عميل سرّي للحكومة صاروخ "ستينغر" ومتفجرات من نوع "C-4" وقنابل وغيرها من الأسلحة. لا يهم إن كان السيد فروميتا قد اعترف للعميل السري نفسه عن نواياه الإرهابية والاستخدام القاتل ولا حشمة فيه لهذه المواد.

عدت وأمليت التفكير لاحقاً وتنبهت إلى أن انتظار ذات المعاملة من جانب الادعاء تجاهي هو أمر حالم، فأنا كوبي من هناك، وينطوي على هذا أنه بتوجيه الاتهام لي تدخل اعتبارات أخرى في اللعبة، مثل جهل ما هي عليه كوبا في الواقع والحقد واللاعقلانية ضد بلدي، والتي يحفزها جميعاً قطاع متطرف يسيطر على ما يقال هنا عن كوبا ويتولى أمر إسكات أي رأي آخر أكثر عقلانية.

أثناء إجراء هذه المحاكمة بحقنا في هذه القاعة توفي في ميامي إيستيبان فينتورا نوفو، وأذكر ذلك لأنني أعتقد بأن للأمر دلالته.

كان إيستيبان فينتورا نوفو أحد قادة شرطة الدكتاتور فولخينسيو باتيستا في كوبا قبل انتصار الثورة وكان مسؤولاً عن تعذيب وقتل وإخفاء أثر عشرات الشبان في العاصمة الكوبية. وكل هذا حدث بموافقة ودعم حكومة الولايات المتحدة، برئاسة إيزنهاور آنذاك.

عندما استولت الحكومة الثورية على السلطة في كوبا، تم استقبال فينتورا نوفو وآخرين مثله، مسؤولين عن جرائم بحق الشعب الكوبي، وإيوائهم من قبل حكومة هذا البلد. تم استخدام كثيرين منهم في استشارة وقيادة وتمويل وكالات التجسس الأمريكية في حربها القذرة ضد حكومة كانت وما تزال تتمتع بشكل واضح بدعم شعبها.

وهكذا بدأ تاريخٌ من الاعتداءات على كوبا في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. وفي هذا التاريخ يُضاف الإرهاب والتخريب والأعمال العسكرية الموازية ومحاولات اغتيال القادة السياسيين للثورة، ومصدرها جميعاً تقريباً جنوب فلوريدا، إلى الحرب الاقتصادية والعدوان البيولوجي والحرب النفسية من خلال الدعاية والتهديدات بعدوان عسكري.

سيقول الإدعاء بأن هذا هو دعاية وبارانويا من جانب كوبا. وأنا أتساءل إن كان عندهم الحشمة للذهاب إلى كوبا وقول ذلك للأمهات والزوجات والأبناء الذين فقدوا أقرباء ذهبوا ضحايا لهذه الاعتداءات. مثل هذه التعابير من جانب الإدعاء تثبت عدم حساسيته وعجزه عن وضع نفسه في مكان الطرف الآخر.

لقد تم استخدام نشاطات المجموعات الإرهابية والعسكرية الموازية من أصل كوبي، ومقرها في جنوب فلوريدا، كأدوات للسياسة الخارجية لهذا البلد تجاه كوبا، وذلك عبر تنظيمها المباشر من قبل وكالات للحكومة الأمريكية ودعم هذه الوكالات للمجموعات المتطرفة التي تنفذها، أو بمجرد ترك هذه الأخيرة تتحرك بدون ملاحقة حقيقية أو التساهل في المعاملة عندما يتم القبض على أحد.

المجموعات الإرهابية من اليمين المتطرف الكوبي في ميامي أقامتها ودربتها ومولتها وكالة السي آي إيه. وطالما كان هذا الأمر واضحاً تماماً بالنسبة للشعب الكوبي. وإذا ما بقي شك عند الحاضرين في هذه القاعة، فإنها موجودة الوثائق التي أزيل عنها الطابع السري من قبل حكومة الولايات المتحدة نفسها عامي 1997 و1998، وتعكس القرارات التي اتخذها مسؤولون رفيعي المستوى في هذا البلد.

إحدى هذه الوثائق تتحدث عن اجتماع شارك فيه موظفون رفيعي المستوى يتقدمهم نائب الرئيس آنذاك، ريشارد نيكسون، وتمت الموافقة فيه على ما تسمى "الخطة السرية ضد نظام كاسترو". في مذكرة حول هذا الاجتماع، علق أحد المشاركين في هذا الاجتماع، وهو الجنرال غودباستر، بقوله: "قال الرئيس بأنه لا يعرف خطة أفضل من هذه للتعامل مع الوضع. المشكلة الكبرى هي التسرب والخلل الأمني. يجب على كل الناس أن يكونوا مستعدين للقسم بأنه (إيزنهاور) لا علم له بشيء من هذا. (…) قال بأنه يجب ألا تظهر أيدينا في شيء مما يتم فعله".

أنا أتساءل: "ما الذي بوسعنا انتظاره بعد ثلاثين أو أربعين سنة من اليوم عندما يتم اتخاذ قرار بإزالة الطابع السري عن وثائق تتعلق بما يحدث الآن؟

الجزء الأكبر من الكوبيين الأمريكيين الذي يحافظون اليوم، بعدما مرت أربعون سنة، على نشاطهم في التحرك الإرهابي ضد كوبا هم معروفون جداً من قبل الهيئات الأمنية الولايات المتحدة لأنها انتمت إليها وتعلمت منها كيفية تشغيل الوسائل التقنية وأساليب العمل.

ارتباطهم بأصوليي اليمين المتطرف للسياسة الأمريكية جعلهم يظهرون على علاقة بأكثر صفحات التاريخ المعاصر لهذا البلد سواداً: اغتيال الرئيس كندي، فضيحة ووترغيت، اغتيال أورلاندو ليتيليير وروني موفّيت وتزويد قوات الكونترا النيكاراغوية بالأسلحة سراً، بما ينتهك القوانين الصادرة عن الكونغرس. لقد كان تحركهم دائماً وما يزال ضد مصالح شعب الولايات المتحدة.

لعل التواطؤ مع هذا القطاع السياسي من هذا المجتمع والوفاء له هو الذي يضمن لهم الإفلات من العقاب في تحركهم ضد كوبا، بما يوفر لهم الثقة بأنه سيتم تجاهل نشاطاتهم من قبل السلطات، بل وأنه سيتم ممارسة ضغوط سياسية لصالحهم في حال إلقاء القبض عليهم. تثبت الأحداث بأن الأمور سارت على هذا النحو.

ها هي ماثلة حالتي لويس بوسادا كارّيليس وأورلاندو بوش، وكلاهما صاحب ملف واسع من العلاقات مع السي آي إيه، وهما المخطّطَين لتفجير طائرة تجارية كوبية وهي في الجو في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1976، وقضى في هذا العمل 73 شخصاً بريئاً.

أورلاندو بوش يعيش بحرية في هذا المجتمع بفضل "وعد الشرف" (Parole) الذي منحه إياه الرئيس الأسبق جورج بوش رغم اعتباره خطراً وأنه إرهابي معروف من قبل سلطات وزارة العدل نفسها في هذا البلد.

دورٌ هام في منح "وعد الشرف" الرئاسي لأورلاندو بوش لعبته ضغوط وتوصيات النائب الجمهورية عن فلوريدا، إيليانا روس-ليهتينين. وبالتالي فهي مدافعة عن إرهابيين وحامية لهم.

كما رأينا في المحاكمة، تثبت الأدلة التي قدمها الدفاع، وهي وثائق يعلم بها مكتب التحقيق الفدرالي، بأن أورلاندو بوش يواصل التآمر انطلاقاً من ميامي لارتكاب أعمالاً إرهابية ضد كوبا. لم يذهب أحد لاعتقاله.

في الثاني والعشرين من آب/أغسطس نُشر في صحيفة "ذي ميامي هيرالد" (The Miami Herald) إعلاناً على مساحة صفحة كاملة يذكر فيه ما يسمى "المنبر الوطني الكوبي" بين مبادئه أنه يعترف ويدعم استخدام أي أسلوب في الصراع ضد كوبا. أحد موقعي هذا البيان هو أورلاندو بوش. إنه يتحرك بهذا الانفلات من العقاب.

حالة بوسادا كارّيليس هي أكثر مشينة بعد. فبعدما فرّ من سجن في فنزويلا تم إنزاله فيه بسبب مشاركته في تفجير الطائرة الكوبية التي قتل فيها 73 مدنياً بريئاً، ظهر في أمريكا الوسطى باسم مزيّف تحت أمرة الليوتانت أوليفر نوث، وهو مسؤول في مجلس الأمن في عهد إدارة الرئيس ريغان، متورطاً في نشاط غير مشروع، وهو ما يسمى إيران-كونتراس وخضع للتحقيق لاحقاً على يد مدعي خاص.

إن كل هذا موثّق وتعرفه الخدمات الأمنية الأمريكية. وكما تعرفون أنتم، المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي هو الذي موّل ونظم فرار بوسادا كارّيليس من سجن فنزويلا.

واليوم، لويس بوسادا كارّيليس وثلاثة كوبيين أمريكيين آخرين، وجميعهم أصحاب ملفات واسعة من المشاركة في أعمال إرهابية ضد كوبا وفي أراضي الولايات المتحدة أيضاً، يتواجدون معتقلين في بنما لمشاركتهم في مؤامرة كانت تستهدف استخدام مادة "C-4" في تفجير المسرح الجامعي لعاصمة هذا البلد وتفتيته، حيث كان من المقرر أن يجتمع فيدل كاسترو بآلاف الطلبة البنميين.

يتم انطلاقاً من ميامي دعم الإرهابيين الذين في السجن في بنما، فتُجمَع أموال في حملات عامة من أجل الدفاع عنهم، وفي سبيل ذلك يتم استخدام المحطات الإذاعية الكوبية، وتمارَس ضغوط على السلطات البنمية وينسَّق الدفاع القضائي عن الإرهابيين، في حين يجري توفير الظروف من أجل الفرار المحتمل للمتهمين. غني عن القول بأنه في الإذاعة والصحافة التي يسيطر عليها الكوبيون من اليمين المتطرف يتم اعتبارهم وطنيين وليس إرهابيين سوقيين، وهو ما هم عليه في الحقيقة.

كل هذا يحدث أمام أعين سلطات هذا البلد.

بالإمكان إجراء سرد موسّع للنشاطات الإرهابية والعسكرية الموازية ومحاولات اغتيال قادة سياسيين كوبيين تم تنظيمها انطلاقاً من جنوب فلوريدا. وحول هذه الأخيرة، أعدت لجنة شورش التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي قائمة جزئية في عام 1975 لتلك المحاولات التي شاركت فيها وكالة السي آي إيه بشكل مباشر، بل واستعانت في ذلك بعناصر من مرتكبي الجريمة المنظمة. إلى هذا الحد تصل قلة الأخلاق.

أي خيار يبقى أمام الشعب الكوبي للدفاع عن سيادته وأمنه؟

جميعنا نحن المتواجدون في هذه القاعة نعرف مفهوم "قضية محتملة" الذي يأتي ضمن الغايات من استخدامه السماح باستخدام وسائل وأساليب بحث جنائي وإجراء تسجيلات والقيام بعمليات اعتقال، الخ. مَن في حكومة الولايات المتحدة يستطيع أن يقول هنا في هذه القاعة أنه لم توجد خلال السنوات الاثنتين وأربعين الأخيرة هذه "قضية محتملة" تبرر وتسند التحقيق بأعمال تنطلق ويجري تمويلها اعتباراً من جنوب فلوريدا ضد كوبا؟

في تبجح منافق، هدد الإدعاء خلال محاكمتنا بتطبيق قانون "آر آي سي أو" (R.I.C.O.) على شهود الدفاع إذا ما قدموا شهاداتهم في هذه القاعة. كل ذلك من أجل منع النشاطات الإرهابية التي كان هؤلاء السادة قد شاركوا فيها من الخروج إلى دائرة العلن.

قانون "آر آي سي أو" (R.I.C.O.) الذي أقره الكونغرس من أجل محاربة الجريمة المنظمة بشكل رئيسي يسري مفعوله منذ أكثر من عشرين سنة. لم يتم تطبيقه أبداً على أي مجموعة من الإرهابيين هنا في ميامي رغم أنها تتوفر لدى الحكومة المعلومات الضرورية لفعل ذلك.

ها هو بين أيديكم مثال على أنه نعم توجد قوانين تسمح بالمحاكمة الجنائية لهؤلاء الأشخاص ولهذه المجموعات.

ما يحصل هو أنه لم تتوفر الإرادة السياسية كأقل تعديل لفعل ذلك. لو وُجدت هذه الإرادة السياسية، لكان كثير من المنظمات الإرهابية التي لها اليوم مكاتب عامة في ميامي قد أُغلق وأودع أعضاؤها السجن.

بكلمات وجيزة، هذا هو الواقع الذي كان على الشعب الكوبي أن يواجهه واضطر لمعايشته خلال أكثر من أربعين سنة. من حق الشعب الكوبي الدفاع عن نفسه لأن الحكومة الأمريكية، المكلفة السهر على تنفيذ قوانين هذا البلد وإقرارها إن استلزم الأمر ذلك من أجل محاربة الأعمال الإجرامية، لم تفعل إلا القليل أو لا شيء حتى الآن من أجل وقف النشاطات ضد كوبا.

كان في إطار هذا الوضع أن وصلنا إلى عقد التسعينات. كانت كوبا تعيش في ذلك الحين أصعب أوضاعها الاقتصادية خلال السنوات الأربعين الأخيرة، وذلك لعوامل خارجية بشكل أساسي.

فسّرت المجموعات الإرهابية التي تتخذ من ميامي مقراً لها وحليفة اليمين السياسي المتطرف في الولايات المتحدة الأمر على أنه قد حان الوقت لتوجيه الضربة القاضية للحكومة الثورية الكوبية، فتصاعدت التحركات السياسية من جهة والنشاطات الإرهابية من الجهة الأخرى.

كان المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي يشكل المنظمة الأوسع نفوذاً بين أبناء الجالية الكوبية، وذلك بفعل الموارد الاقتصادية التي يتمتع بها والتأثير الذي كان يمارسه على رجال سياسة رئيسيين في بنية حكومة الولايات المتحدة.

تمثلت استراتيجيته في الحمل على إقرار إجراءات في الكونغرس هدفها خنق الشعب الكوبي اقتصادياً على أمل واهم بأن هذا الشعب سينهض ضد الحكومة الثورية، وفي ذات الوقت كان ينظم ويموّل انطلاقاً من ميامي موجة من الأعمال الإرهابية غايتها إلحاق الأذى بالاقتصاد الذي كان قد بدأ بالانتعاش.

هذه الموجة الإرهابية ضد منشآت سياحية في كوبا موّلها ونظمها المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي. الإرهابي الرئيسي، لويس بوسادا كارّيليس، اعترف لصحيفة "ذي نيويورك تايمز" (The New York Times) بمسؤوليته عن التخطيط لهذه الأعمال وتمويلها من قبل هذه المنظمة. وفي المقالات التي نشرتها الصحيفة يومي 12 و13 تموز/يوليو 1998، يعترف بوسادا كارّيليس ضمنياً بأنه يعمل كذراع مسلح للمجمع الوطني الكوبي-الأمريكي.

وفي المقابلة نفسها يشرح بأن السلطات الأمريكية لم تبذل أي جهد من أجل التحقيق معه حول الأعمال الإرهابية ضد فنادق في كوبا ويبرر عدم تحركها هذا بعلاقاته الطويلة معها. وكانت كلماته التالية:

“As you see (…) The FBI and The CIA, don’t bother me, and I’m neutral with them. Whenever I can help them, I do.”

في الأيام التالية تولت صحافة ميامي المعادية لكوبا المعروفة بأن تمحو من ذاكرة الجالية التصريحات والتأكيدات الخطيرة التي كانت صحيفة "ذي نيويورك تايمز" قد نشرتها عبر إخفائها من وسائل الاتصال المحلية وذلك من خلال شيء يشكل حلماً بالنسبة لها: المرض المزعوم للرئيس فيدل كاسترو. لا يهم إن كانت القصة مهزلة وانكشف أمرها بعد أيام قليلة، لكنها لعبت دوراً في جعل الناس العاديين ينسون ما كانت قد نشرته صحيفة "ذي نيويورك تايمز" وما خلفته التصريحات التي أدلى بها بوسادا كارّيليس لهذه الجريدة من ردود فعل.

من لم ينبغ عليهم أن ينسوا هم مكتب التحقيق الفدرالي وسلطات أمريكية أخرى، فالمقالات المذكورة نُشرت يومي 12 و13 تموز/يوليو. قبل 26 يوماً بالضبط من نشر تلك المقالات تلقى وفد رسمي أمريكي، شمل أعضاء من مكتب التحقيق الفدرالي معلومات واسعة في هافانا وتم تزويده بأفلام وتسجيلات تحتوي على أدلة على مشاركة المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي ومسؤولون رفيعي المستوى من المنظمة المذكورة وتمويل أعمال إرهابية ضد كوبا. وشكّل كثير من هذه المواد أدلة للدفاع في هذه القضية.

بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، ما زالت كوبا بانتظار تحرك مكتب التحقيق الفدرالي لتوقيف أي من الأشخاص المتورطين.

في السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 1990 أجرى السيد آنخيل بيرلينغيري، الذي كان في ذلك الحين عميلاً خاصاً لمكتب التحقيق الفدرالي في مكتب ميامي، مناظرة في البرنامج الإذاعي "ميسا ريدوندا" (Mesa Redonda) [الطاولة المستديرة]، الذي تبثه إذاعة WAQI "Radio Mambi". هذا العميل شارك للصدفة في اعتقالي بعد ذلك بثماني سنوات وسيقدم شهادته لاحقاً في هذه القاعة.

جرت مناظرته في نفس المحطة الإذاعية ومع نفس المقدِّم والصحفي وفي البرنامج الذي يُستخدم عادة لجمع أرصدة للنشاطات المعادية لكوبا، وذلك للدفاع عن إرهابيين وكسبيل للدعاية المناهضة لكوبا والنشاط السياسي المتميز بالتعصب.

كان في ذلك البرنامج أن ظهر هذا العميل الخاص لمكتب التحقيق الفدرالي.

يلفت الانتباه أنه في كلامه وشرحه للمستمعين النشاطات المزعومة للعملاء بخدمة الحكومة الكوبية في جنوب فلوريدا، لا يتم ذكر شيء له علاقة بالأمن القومي للولايات المتحدة، غير أنه يعترف فعلاً بأنه توجد مجموعات هنا في ميامي تتآمر من أجل إسقاط الحكومة الكوبية. وهذا أمر يتنافى مع قانون الحيادية، مع أنه لا يذكر هذه الأخيرة في مناظرته.

واعترف عميل مكتب التحقيق الفدرالي في مناظرته بأنه يتم القيام بأعمال تخريبية من ميامي ضد الحكومة الكوبية وأن هدف الحكومة الكوبية هو أن تبقى مطلعة على هذه الخطط. وطفحاً للكيل، أبلغ عميل مكتب التحقيق الفدرالي هذا المستمعين عند وداعه بأن يعلموا "أننا نكافح معاً ولنا ذات الأهداف: أن تصبح كوبا حرة بأقرب وقت ممكن".

لحد علمي، لم يتشكل مكتب التحقيق الفدرالي لكي يكافح من أجل حرية أي بلد ولا هذا من بين وظائفه. ولكن، فوق ذلك، توضح هذه التصريحات بكل جلاء برنامج العمل السياسي لدى مكتب التحقيق الفدرالي فرع جنوب فلوريدا.

توافق أن الإدلاء بهذه التصريحات جاء في تشرين الأول/أكتوبر من عام 1990، بالذات مع بدء عقد من الزمن تصاعدت فيه الأعمال الإرهابية ضد كوبا انطلاقاً من جنوب فلوريدا.

حين تأتي مثل هذه التصريحات من عميل لمكتب التحقيق الفدرالي ويتم الإدلاء بها للمحطة وللبرنامج ذوي المواصفات المذكورة سابقاً، لا يمكن أن يكون لها أثراً آخر غير حفز منظمي الأعمال الإرهابية ضد كوبا وتقديم الضمانة لهم بأنه لن تتم ملاحقتهم بسبب أعمالهم.

في تلك المحطة الإذاعية نفسها وفي نفس البرنامج ومع نفس المقدِّم ناظر السيد إيكتور بيسكيرا، وهو عميل مكلف شؤون مكتب التحقيق الفدرالي فرع جنوب فلوريدا، وذلك بعد أيام قليلة فقط من إصدار الحكم في قضيتنا.

ماذا بوسع كوبا أن تفعل أمام مثل هذه الوقائع لتدافع عن نفسها وأخذ الحيطة من الخطط الإرهابية؟

هل يمكن الثقة بسلطات مكتب التحقيق الفدرالي جنوب فلوريدا عندما يتعلق الأمر بقضايا لها علاقة بأمن كوبا؟

هل يمكن أمام الحكومة الأمريكية تسجيل أحد يتواجد هنا من أجل استقاء المعلومات عن نشاطات مجموعات إرهابية واتقاء هذه النشاطات من أجل منع موت الأبرياء؟

ماذا تستطيع كوبا أن تفعل من أجل الدفاع عن شعبها في الوقت الذي تقوم السلطات الأمريكية بتوقيف قوارب قادمة من فلوريدا محملة بالأسلحة من أجل مهاجمتها، وترضى هذه السلطات بتبرير مثل: "إننا نصطاد جراد البحر"؟ لقد سمعنا ذلك في هذه القاعة من عميل لل‍ "ATF" أوقف قارباً محملاً بالأسلحة وخرائط لكوبا على مسافة أربعين ميلاً فقط من سواحلها.

في الثالث والعشرين من تموز/يوليو نشرت صحيفة "ميامي هيرالد" تصريحات للإرهابي توني بريانت، الذي كان يضحك لقيام ضباط مكتب التحقيق الفدرالي باستجوابه بعدما ظهر زورقه المحمل بالمتفجرات على مقربة من هافانا. وحسبما ذكر بريانت للصحيفة المشار إليها فإنه وعد بعدم تكرار فعلته وتركوه يذهب في حال سبيله.

ماذا تستطيع كوبا أن تفعل حين يقضي إرهابيون كفيرخيليو باز وخوسيه ديونيسيو سواريز، اللذان فجرا أورلاندو ليتيليير وروني موفّيت وحولاهما إلى قطع صغيرة في عاصمة هذا البلد، ثم أصبحا فارّين من العدالة، سبع سنوات فقط من الحكم الصادر بحقهما وتم إخراجهما بفضل مساعي المجمع الوطني الكوبي-الأمريكي الذي يدفع أجر محاميهم؟ لقد عرفت أنا حالات "reentry" حُكم على أصحابها بمدة أطول من هذه.

الكلمات الأولى التي أدلى بها أحد هؤلاء الأفراد كانت من أجل توجيه الشكر للمجمع الوطني الكوبي-الأمريكي، وأرماندو بيريز روورا وإذاعة "WAQI" على ما بذل كلاهما من جهود لإطلاق سراحه. إنها نفس الإذاعة ونفس المعلِّق الذي ناظر معه عميلا مكتب التحقيق الفدرالي بيرلينغيري وبيسكيرا.

الحقيقة هي أنه ليس هناك من خيار آخر أمام كوبا إلا أن يكون لها أشخاصاً هنا يجعلونها على اطلاع على الخطط الإرهابية، انطلاقاً من حبهم لوطنهم وليس للمال، ويسمحون لها بتفادي هذه الخطط ما دام بالإمكان ذلك. هذا هو سبب تواجدي هنا.

ما دام الوضع هو الوضع الذي وصفته، لكوبا الحق المعنوي بالدفاع عن نفسها بالطريقة التي فعلناها أنا ورفاقي.

أصحاب السيادة:

في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كنا جميعاً شهوداً على عمل إجرامي ورهيب. عمل بغيض أذهل السواد الأعظم من سكان العالم الذين وصلهم نبأ هذه الأحداث عبر الشبكات التلفزيونية. الأعمال الإرهابية التي تم ارتكابها على مدى سنوات ضد كوبا لم تنقلها أي من هذه الشبكات.

اسمحوا لي بأن أذكر أنه في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر أيضاً، ولكن من عام 1980، اغتيل في شوارع نيويورك فيليكس غارسيا، وهو دبلوماسي كوبي معتمد في منظمة الأمم المتحدة، على يد إرهابي يتواجد اليوم معتقلاً في بنما إلى جانب بوسادا كارّيليس.

على أثر الأعمال الإرهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن، ازداد الوعي العالمي لضرورة القضاء على الإرهاب.

بعد ساعات قليلة، بل دقائق، من تلك الأحداث كان جميع المحللين والمسؤولين رفيعي المستوى من حكومة هذا البلد يدلون بتصريحات ويقدمون معلومات ووجهات نظر من خلال وسائل الاتصال. أكدوا جميعاً على ضرورة تحسين العمل التجسسي والتسلل إلى صفوف المجموعات التي تقوم بمثل هذه الأعمال والذين يساندوها ويقدمون لها المأوى.

إنني على قناعة بأن من شأن الولايات المتحدة أن تشعر بالفخر بأحد أبنائها لو أتيحت له الفرصة والامتياز بتفادي وقوع أعمال كأعمال شهر أيلول/سبتمبر الماضي. كان من شأن ذلك أن يشكل خدمة كبرى يسديها لشعبه وللبشرية.

في خطابه أمام الجلسة المشتركة لكونغرس الأمة في العشرين من أيلول/سبتمبر 2001، قال الرئيس بوش:

"في هذه الليلة نحن بلد تيقظ للخطر ودُعي للدفاع عن حريته".

أصحاب السيادة:

لقد اضطر بلدي وشعبي قبل أكثر من أربعين سنة للتيقظ للخطر ودُعيا للدفاع عن حريتهما. أشعر بالفخر لكوني أحد الذين نبّهوا شعبي إلى تلك المخاطر.

في تلك الليلة عينها، قال الرئيس بوش في خطابه لاحقاً:

"… سنتّحد لتعزيز وكالات مخابراتنا، لنعرف بهذه الطريقة خطط الإرهابيين قبل أن يتحرك هؤلاء، والعثور عليهم قبل أن يقوموا بهجماتهم".

لقد عانت كوبا من هجمات إرهابية على مدى 42 سنة، ومن حقها أيضاً الدفاع عن نفسها بهذه الطريقة. الأمة الأمريكية تتحد اليوم في مكافحة الإرهاب، وهو أمر شكل بالنسبة لبلدي ضرورة وواقعاً منذ سنوات كثيرة.

لا يمكن القياس بمكيالين. يجب محاربة الإرهاب والقضاء عليه سواء ارتُكب بحق بلد كبير وقوي أو بحق بلدان صغيرة. ليس هناك من إرهاب طالح وإرهاب صالح.

في التقرير عن أورلاندو بوش، والذي قدمه مساعد وزير العدل في عام 1989، السيد جوي د. وايتلي، الذي كان بفعل منصبه الإداري محلاً لقدر أقل من الضغوط السياسية والمزاجية في السياسة الخارجية، يقول هذا الموظف:

“The United States cannot tolerate the inherent inhumanity of terrorism as a way to setting disputes. Appeasement of those who would use force will only breed more terrorists. We must look on terrorism as a universal evil, even if it is directed toward those with whom we have no political sympathy.”

أصحاب السيادة:

ستقومون اليوم بتنفيذ هذه المرحلة من محاكمتنا وستُصدرون الحكم القضائي الذي ترونه ملائماً.

وأنا أود في الختام أن أكرر التأكيد بأنني لم أضع في خطر أبداً الأمن القومي للولايات المتحدة، ولم تكن هذه أبداً نيتي ولا نية رفاقي.

ما دفعني لفعل ما فعلت هو حبي لوطني ولقناعتي بأن التاريخ يثبت بأنه الخيار الوحيد الباقي أمام الشعب الكوبي لمنع موت أشخاص أبرياء وما تجلبه الأعمال الإرهابية التي ترتكَب ضد بلدي معها من دمار.

إن إنهاء هذه الأعمال هو بيد حكومة الولايات المتحدة. لقد أثبتت كوبا إرادتها في التعاون مع السلطات الأمريكية في هذا المجال وفي مجالات أخرى كتهريب المخدرات، وهو أمر من أجل أفضل مصلحة لكلا الشعبين ويلحق الأذى فعلاً بالأمن القومي للولايات المتحدة.

إن سلطات هذا البلد هي التي عليها أن تعقد العزم بالتحرك على أساس مبادئ وتنفض عن نفسها غبار النفوذ الوبيل لمجموعة صغيرة، ولكنها قوية اقتصادياً، من أعضاء المافيا واليمين المتطرف من الجالية الكوبية في ميامي.

أثق بصدق بأنه سيصل اليوم الذي لا تكون فيه كوبا مضطرة لأن يأتي أشخاص مثلي، طوعاً وبدافع الحب لبلدهم، إلى هذا البلد من أجل مكافحة الإرهاب.

إن كل رجل يحترم نفسه ينتمي إلى وطنه قبل أي شيء آخر. سترافقني خلال سنوات سجني الكرامة التي تعلمتها من شعبي ومن تاريخه.

شكراً جزيلاً.

 

فيرناندو غونزاليز جورت