بيان صادر عن وزارة العلاقات الخارجية

 

قرر الاتحاد الأوروبي مجدداً الخنوع أمام حكومة الولايات المتحدة في موضوع سياسته تجاه كوبا.

على نحو غير معهود في السلوك الدبلوماسي، نشر الاتحاد الأوروبي بياناً صباح الخامس من حزيران/يونيو الجاري، بالإضافة للإجراءات العقابية ضد كوبا الواردة فيه، يبلغ الأسرة الدولية بأن الاتحاد قد وجه رسالة للسلطات الكوبية، وهي رسالة لم تصل إلى وزارة العلاقات الخارجية إلا عصر ذلك اليوم. لقد بعث ذلك الدهشة عند الوزارة: أدركنا تماماً بأنه ربما كان الأمل الأوروبي هو أن يصل البيان المذكور إلى واشنطن أولاً قبل أن يصل إلى هافانا.

كانوا في أوروبا يعرفون تماماً بأن من شأن قرارهم الانضمام إلى هجمات الحكومة الأمريكية ضد كوبا أن يلقى ترحيباً بصفته دليلاً جديداً على التوبة والندم الأوروبي على الخلافات التي نشأت بمناسبة حرب العراق بين "أوروبا الهرمة" –كما أسماها السيد رمسفيلد- وبين الحكومة الإمبراطورية النازية الفاشية، التي تحاول أن تفرض دكتاتوريتها على بقية العالم.

يأتي البيان الجديد الذي وقعه الخمسة عشر تكليلاً لمرحلة من التصريحات المعادية لكوبا والاعتداءات عليها، والتي تم القيام بها بالضبط في اللحظة التي اضطر فيها بلدنا لمواجهة مخططات غادرة تنطلق من ميامي وواشنطن وهدفها خلق الذرائع التي يستدعيها القيام بعدوان عسكري على بلدنا.

وشمل هذا التصعيد:

في وقت لاحق، في السابع والعشرين من أيار/مايو، كانت هناك محاولة جديدة لتسليم مذكرة احتجاج ثالثة رفضتها وزارة علاقاتنا الخارجية باعتبارها تدخلاً لم يعد مقبولاً في الشؤون الداخلية الكوبية.

وجاء أخيراً هذا البيان الجديد، الذي علمت كوبا بأمره عبر الصحافة الدولية قبل معرفتها به من قبل الاتحاد الأوروبي نفسه.

إن هذه الهجمة غير المعهودة على بلدنا تلفت الانتباه على نحو أكبر، باعتبار الحكمة الأوروبية تشكل قدوة في التزام صمت محترِم حين يلائمها، بل وأن تتحول إلى متواطئة تسكت عن سلوك وأعمال أكثر خطورة بكثير من الأعمال التي تتهم بها كوبا اليوم، بدون أي دافع لذلك. وإلا، كيف يمكن تقييم صمتها، على سبيل المثال، إزاء الجرائم المرتكبة من قبل الجيش الأمريكي بحق السكان المدنيين العراقيين؟

لقد طفح الكيل. وبعد نفاذ قدرتها الصابرة على الحوار والتسامح، تجد كوبا نفسها مضطرة للرد على ما تعتبره سلوكاً منافقاً وانتهازياً من جانب الاتحاد الأوروبي.

يعبر الاتحاد الأوروبي في بيانه الأخير "عن أسفه لقطع السلطات الكوبية لتجميدها الذي كان قائماً كأمر واقع فيما يتعلق بالحكم بالإعدام".

لن تستفيض كوبا في الأسباب الخاصة، التي تم شرحها أكثر من مرة، وأجبرت على اتخاذ إجراءات شديدة بحق ثلاثة خاطفين مسلحين، ذوي سوابق في ارتكاب جنايات عامة، والذين هددوا بقتل عشرات الرهائن، بمن فيهم عدة سائحين أوروبيين. لم تسمع كوبا أبداً كلمة واحدة من الاتحاد الأوروبي تدين الحكم بالإعدام في الولايات المتحدة. لم ترَ الاتحاد الأوروبي أبداً يقود إدانة للولايات المتحدة في لجنة حقوق الإنسان بسبب تطبيق الحكم بالإعدام على قاصرين ومرضى عقلياً وأجانب لا يُسمح لهم حتى بالعناية القنصلية التي هي من حقهم. ولم تسمع كوبا أبداً انتقاداً من جانب الاتحاد الأوروبي للواحد وسبعين حكماً بالإعدام التي نُفذت في العام الماضي في الولايات المتحدة، بما فيها اثنين بحق سيدتين. لماذا يدين الاتحاد الأوروبي تنفيذ الحكم بالإعدام في كوبا ولا يدين تنفيذه في الولايات المتحدة؟

وعليه، لا تأخذ كوبا محمل الجدّ هذا التأسف من جانب الاتحاد الأوروبي، فهي تعرف بأنه موصوم بالنفاق وبازدواجية الأخلاق.

يذكر البيان حرفياً نص الرسالة التي تم تسليمها لوزارة العلاقات الخارجية الكوبية، والتي يتم فيها تكرار ذات الحجج التي تطلقها الحكومة الأمريكية. تجري من جديد محاولة وضع قناع "معارضين" و"صحافيين مستقلين" على وجه المرتزقة الذين يطمحون للمساهمة من الداخل بتحقيق هدف السياسة الأمريكية المتمثل بإلحاق الهزيمة بالثورة الكوبية، وهم الذي يتم الدفع لهم بأموال من حكومة الولايات المتحدة.

ويدعو البيان الأوروبي بعد ذلك "السلطات الكوبية إلى تفادي العذاب الذي لا فائدة من معاناة السجناء له، وإلى عدم إخضاع هؤلاء لمعاملة لاإنسانية". لن تبذل كوبا جهوداً كبيرة في التعليق على هذه "الدعوة" المهينة. ستكتفي بالقول بأنها نذالة دنيئة.

ولن تكرر كوبا الحجج التي سبق لها أن أكدتها أكثر من مرة. إنما ستؤكد فقط على أنها لم تسمع أبداً كلمة إدانة واحدة من الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بمئات الأسرى –وبعضهم أوروبي- الذين تعتقلهم الولايات المتحدة، انتهاكاً منها للأعراف الأساسية لحقوق الإنسان، وذلك في القاعدة البحرية التي تفرضها علينا في غوانتانامو رغماً عن إرادتنا. لم يقل الاتحاد الأوروبي كلمة واحدة أبداً عن آلاف السجناء، بسبب هيئتهم الجسدية أو لكونهم مسلمين فقط في كثير من الأحيان، والذين اعتقلتهم حكومة الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بدون الحد الأدنى من الضانات القانونية وبدون محاكمات وبدون حتى أن تُنشر أسماؤهم.

لم يتفوه الاتحاد الأوروبي أبداً بكلمة واحدة حول ظروف اعتقال الأكثر من مليون سجين أمريكي، معظمهم من الزنوج واللاتينيين، ومجموعهم فقراء، وهو أمر دانته على نحو متكرر تقارير دولية تُعنى بحقوق الإنسان.

بفضل الثورة، لم تشاهَد في كوبا خلال أكثر من أربعين سنة مظاهر عنف وحشي تمارسه الشرطة أو أعمال قمع عنيف كالتي تتم ممارستها بحق الذين يعبّرون سلمياً في الشوارع عن معارضتهم للنظام العالمي، أو للمعاملة التي ترتكز على أساس كراهية الأجانب وعلى أسس عرقية بحق المهاجرين وطالبي اللجوء، على غرار ما يحدث يومياً في أوروبا، التي تسمح لنفسها بمحاولة إعطائنا الدروس.

ويعلن الاتحاد الأوروبي تباعاً إجراءاته الجديدة ضد كوبا، التي تضحي نوعاً مما يشبه "محضر الاستسلام" أمام ضغوط حكومة الولايات المتحدة.

إنها أربعة إجراءات يعلن عنها البيان:

أولاً: تقييد الزيارات الحكومية الثنائية رفيعة المستوى.

لا بد من التذكير بأنه خلال السنوات الخمس الأخيرة لم يقم أي رئيس دولة أو حكومة من الاتحاد الأوروبي بزيارة كوبا.

ولا حتى ملك إسبانيا، خوان كارلوس الأول، الذي بعثت جاذبيته الطبيعية وبساطته احترام الشعب والحكومة الكوبيين له، استطاع أن يقوم بزيارة رسمية؛ فرئيس الحكومة الإسباني، خوسيه ماريّا أزنار –الذي يتوجب أن يعطى الموافقة من الناحية الدستورية-، كان جازماً: "يقوم الملك بزيارة كوبا عندما يحين الوقت".

أما من وزراء خارجية الخمسة عشر بلداً الأعضاء فلم يتوجه إلى كوبا إلا اثنين منذ عام 1998 وحتى الآن: السيد لويس ميشيل، بلجيكا، عام 2001 –والذي بذل جهداً حقيقياً لتطوير العلاقات- والسيدة ليدي بولفير، لوكسمبورغ، عام 2003.

لم يشأ أحد في أوروبا –وخاصة الآن- التسبب باستياء واشنطن. في هذه الأثناء، خلال عام 2002 وحده زار كوبا 663 وفداً رفيع المستوى من بقية أنحاء العالم، من بينهم 24 رئيس دولة أو حكومة و17 وزيراً للخارجية.

ثانياً: خفض مستوى مشاركة الدول الأعضاء في الحدث الثقافي.

حول هذا القرار غير المعهود لأوروبا المثقفة والحضارية نقول بأن أقل ما يمكنه فعله هو أن يبعث الخجل عند أصحابه.

إن تحويل المثقفين والفنانين، الأوروبيين والكوبيين، وتحويل شعوبنا التي تستفيد من التبادل الثقافي، إلى ضحايا خاصة للعدوان هو إجراء يبلغ من الرجعية درجة ما يجعله غير قابل للتصور في أوج القرن الحادي والعشرين.

العلامة الأولى من علامات هذه السياسية غير العقلانية كانت قد أظهرتها الحكومة الإسبانية، التي ألغت في شهر نيسان/أبريل الماضي مشاركة وفد إسباني في مهرجان "أثر إسبانيا"، والذي كُرِّس خصيصاً لتكريم هذا الشعب الشقيق. يضاف إلى ذلك حقيقة أن المركز الثقافي الإسباني في هافانا، وبعيداً عن الترويج للثقافة الإسبانية في كوبا، وهو أحد الأهداف التي قام من أجلها، كان له برنامج نشاطات على غير صلة بعمله الذي قام من أجله، وذلك في تحدٍّ صريح للقوانين والمؤسسات الكوبية، وفي انتهاك صارخ لنص الاتفاق الذي قام على أساسه.

في الأيام المقبلة ستتخذ السلطات الكوبية الإجراءات الكفيلة بتحويل هذا المركز إلى مؤسسة تنفّذ فعلاً الهدف النبيل المتمثل في نشر الثقافة الإسبانية في بلدنا.

ثالثاً: دعوة منشقين كوبيين إلى الاحتفالات بأعياد وطنية.

عبر هذا القانون، الذي من شأنه تحويل السفراء الأوروبيين في هافانا إلى موظفين احتماليين للسيد كيسون، والذي يمكنه أن يضع سفارات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بخدمة العمل التحريضي الذي يقوم به مكتب رعاية مصالح الولايات المتحدة –وهو أمر لم تقم به بشكل علني حتى الآن إلا السفارة الإسبانية-، إنما يكون الاتحاد الأوروبي يعطى صفة رسمية لنيته على تحدّي الشعب الكوبي وقوانينه ومؤسساته.

بروح هادئة ولكن بثبات، تحذر كوبا السفارات الأوروبية والمرتزقة المحليين للحكومة الأمريكية بأنها لن تسكت عن أي استفزازات أو ابتزاز. من واجب المرتزقة الذين يحاولون تحويل السفاراتالأوروبية في هافانا إلى مراكز للتآمر على الثورة أن يعلموا بأن الشعب الكوبي سيعرف كيف يشترط تطبيق قوانيننا بشدة. ويجب على السفارات الأوروبية أن تكون على وعي بأنه إذا ما أعارت نفسها للعمل التحريضي ضد كوبا إنما هي تكون ناكثة لالتزاماتها، استناداً لمعاهدة فيينا حول العلاقات الدبلوماسية.

رابعاً: إعادة النظر في الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي حول كوبا.

عبر هذه الصيغة الأخيرة، يعلن السيد أزنار والحكومة الإسبانية منذ الآن عن عزمهما تشديد نص ما يسمى الموقف المشترك حول كوبا، والذي يجدر التذكير بأن إسبانيا فرضته على الاتحاد الأوروبي منذ عام 1996.

في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر من ذلك العام، أعلنت صحيفة "إل‍ باييس" (El Pais) الإسبانية، تحت عنوان: "إسبانيا تقترح على الاتحاد الأوروبي قطع القروض والتعاون عن هافانا"، بأن:

"الحكومة الإسبانية ستقترح يوم غد في بروكسل على شركائها من الاتحاد الأوروبي استراتيجية مضايقة اقتصادية لنظام فيدل كاسترو (...). وتتفق مجموعة الإجراءات التي يقترحها أزنار مع السياسة الأمريكية بشكل وثيق. والمبادرة التي تنوي حكومة أزنار طرحها تنطوي على إغلاق سيل التعاون والقروض من الخمسة عشر ورفع مستوى الحوار مع المعارضين لكاسترو.

(...) والإجراءات التي يرعاها أزنار (...) تنطوي على قطع كامل للسياسة الإسبانية مع كوبا…".

ومن بين الإجراءات التي أعلنت عنها الصحيفة في ذلك اليوم، بالإضافة لمحاولة أزنار إغلاق تعاون الخمسة عشر بلداً أوروبياً مع كوبا، وإنهاء الاتفاقات التجارية ووقف القروض القليلة والمكلفة وقصيرة المدى التي كانت كوبا تتلقاها في تلك اللحظة الحرجة من الفترة الخاصة، يضاف الهدف التالي:

"حوار مع المعارضة. يعيِّن كل واحد من الخمسة عشر سفيراً أوروبياً في هافانا دبلوماسياً متخصصاً في بدء حوار رفيع المستوى مع المجموعات المعارضة لكاسترو. وتدعو الحكومات الأوروبية هذه المجموعات إلى اتصال دائم رفيع المستوى.

"من شأن هذه المجموعة من الإجراءات أن تتبلور من خلال ‘موقف مشترك‘ للاتحاد الأوروبي، وهي مستلهَمة بشكل مباشر من سياسة المضايقة الأمريكية، التي يرعاها سفير الولايات المتحدة المتجوّل، شتوارت إيزنستادت".

واستناداً إلى صحيفة "إل‍ باييس"، وحسبما أكد الواقع لاحقاً، فقد "أخذ هذا الدبلوماسي الأمريكي بالإصرار أمام وزارات الخارجية الأوروبية على ضرورة تخلي الاتحاد الأوروبي عن استراتيجيته الحالية…" تجاه كوبا.

"كما أن السفير المتجوّل وعد بأنه في حال التقاء البلدان الخمسة عشر الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع الرؤية الأمريكية، فإن واشنطن ‘ستمنح‘ لشركائها تأجيلات متتالية نصف سنوية لتطبيق قانون هيلمز-بيرتون، الذي يشدد الحصار على كوبا ويلاحق الاستثمارات الأوروبية في الجزيرة".

وانتهت صحيفة "إل‍ باييس" إلى القول: "إن إسبانيا، التي كانت رائدة للرؤية المستقلة، من شأنها أن تتحول على هذا النحو، في حال نجاح مبادرتها، إلى رأس حربة التحرك المعاكس".

وقد نجحت مبادرة السيد أزنار. من هنا وُلد "الموقف المشترك"، ومن ثم "تفاهم الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة حول قانون هيلمز-بيرتون" لاحقاً، والذي وافقت فيه الحكومات الأوروبية على الالتحاق بالشروط التي فرضتها الولايات المتحدة مقابل الوعد الأمريكي بعدم معاقبة الشركات الأمريكية. ومن هنا ولدت أيضاً الحملة الجديدة التي تقوم بها الحكومات الأوروبية ضد كوبا.

إن السيد أزنار، الذي تستحوذه فكرة معاقبة كوبا وتحوّل إلى حليف أصغر للحكومة الإمبراطورية الأمريكية، هو المسؤول الرئيسي عن عدم بلورة الاتحاد الأوروبي لرؤية مستقلة وموضوعية تجاه كوبا، وهو اليوم المسؤول الرئيسي عن هذا التصعيد الغادر، وذلك بالذات في الوقت الذي تحوّل فيه بلدنا الصغير إلى رمز لمقاومة الشعوب لتهديد فرض الولايات المتحدة نظاماً نازياً فاشياً مستبداً على بقية العالم، بما فيها الشعوب الأوروبية –التي تم تجاهلها وإذلالها مؤخراً عبر تجاهل معارضتها الثابتة للحرب على العراق-، بل والشعب الأمريكي نفسه.

تعلم كوبا بأن الحكومة الإسبانية تقوم –وعلى غرار ما تفعل حكومة الولايات المتحدة استناداً إلى ما ينص عليه قانون هيلمز-بيرتون- بتمويل المجموعات الإلحاقية والمرتزقة التي تحاول القوة العظمى تنظيمها داخل البلاد.

كيف يمكن تفسير اهتمام السيد أزنار "بتعزيز الديمقراطية في كوبا"، ما دام هو أول رئيس أوروبي بل والوحيد في دعم الانقلاب الفاشي في فنزويلا وعرض "دعمه وجاهزيته" على "الرئيس" الانقلابي الفنزويلي الذي دام يوماً واحداً؟

غير أن كوبا لا تحمِّل الذنب للشعب الإسباني النبيل ولا لباقي الشعوب الأوروبية. على العكس من ذلك تماماً. بالرغم من الحملات الإعلامية الدنيئة، تعرف كوبا مدى ما تبعثه من تعاطف وإعجاب عند هذه البلدان، التي نستقبل نحو مليون زائر منها سنوياً. وتعلم كوبا مدى ما تبعثه من تضامن في أوروبا، وقد تلقت خلال هذه السنوات مساعدة الأيادي الصديقة من آلاف المنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية والمجالس البلدية الأوروبية.

تعرف كوبا أن الشعوب الأوروبية –وفي درس أخلاقي وإنساني مثالي- اعترضت على الحرب في العراق، والتي بالرغم من ذلك لم يستطع منعها الاتحاد الأوروبي، المنقسم بفعل خيانة الحكومة الإسبانية لباقي أوروبا، والتي أذلّتها قوة عظمى وصل بها الأمر للإعلان بأن من شأنها أن تهاجم مدينة لاهاي عسكرياً إذا ما تم حمل جندي أمريكي إلى محكمة الجزاء الدولية.

ليس عند كوبا إلا مشاعر صداقة واحترام للشعوب الأوروبية، ولكن لا يمكنها السماح بأن تعير حكوماتها، التي انجرت وراء التزام رئيس الحكومة الإسبانية مع المجموعات الإرهابية من أصل كوبي العاملة في ميامي ومع حكومة بوش، للتعاون مع تشكيل مجموعات مرتزقة في كوبا تتحرك بخدمة الجهود اليانكية الرامية لتدمير الثورة الكوبية وإلحاق بلدنا بالولايات المتحدة.

لقد تم تلقي قرار الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى السياسة العدوانية الأمريكية تجاه كوبا ببهجة كبيرة وتصفيق حاد، ليس فقط من قبل حكومة الولايات المتحدة التي صرح وزير خارجيتها: "يمكن للولايات المتحدة أن تشارك مع الاتحاد الأوروبي في استراتيجية مشتركة تجاه كوبا"، وإنما كذلك من قبل المرتزقة الذين ما زالوا يعملون داخل البلاد لصالح الحكومة الأمريكية، ومن قبل المتحدثين باسم المجموعات الإرهابية في ميامي.

ما يسمى "المجلس من أجل حرية كوبا"، وهو مجموعة باتستية من ميامي عكفت في هذه الأيام على مطالبة الرئيس بوش بفرض الحصار البحري على كوبا، أعربت: "يسعدنا أن تنضم أوروبا إلى الضغوط…"، والمجمع الوطني الكوبي-الأمريكي أكد ارتياحه وأبرز بأنه "قد آن الأوان للبلدان الأوروبية لكي تتنبّه…".

وكالة الأنباء "دي بي إيه" (DPA) وضعت لتحقيقها العنوان الآتي: "بهجة في المنفى لقرار الاتحاد الأوروبي المتعلق بكوبا". وأضافت أن ردود فعل المتطرفين الكوبيين كانت "متحمسة" وأن "النشرات الإخبارية للمحطات التلفزيونية باللغة الإسبانية في ميامي افتتحت نشراتها المسائية بنبأ قرار الاتحاد الأوروبي وأبرزت الإجراءات التي ستتخذها هذه الهيئة".

إنه ليضحي أمر جليّ من هو المستفيد من بيان الاتحاد الأوروبي، ولماذا تبتهج المجموعات الإرهابية في ميامي، المسؤولة عن هجمات بالقنابل على مصالح أوروبية في كوبا، بل وقتل الشاب الإيطالي فابيو دي سيلمو. إنه لمن الواضح سبب تصفيق أولئك الذين يطالبون حكومة الولايات المتحدة اليوم بتشديد الحصار وبالاعتداء العسكري على شعبنا.

كوبا من جهتها ستدافع عن حقها بأن تكون بلداً حراً ومستقلاً بالدعم الأوروبي أو بدونه، وحتى مع مواجهتها لتواطؤ بعض الحكومات مع المجموعة الإرهابية التي تحكم اليوم في الولايات المتحدة.

لا تحكم كوبا بالسواء على جميع الحكومات الأوروبية، وتعرف تمام المعرفة من هي الحكومات الرئيسية المحرِّضة على هذا الاستفزاز غير المعهود.

لا بد من القول أيضاً بأن تحرك الحكومة الإيطالية، التي يقودها رئيس الوزراء سيلفيو بيرلوسكوني، هو تحرك آخذ بالالتحاق بالنشاط التآمري للحكومة الإسبانية.

لقد قررت إيطاليا من جانب واحد إلغاء تعاونها للتنمية مع كوبا، والذي كان من شأنه أن يصل هذه السنة إلى ما قيمته أربعين مليون يورو تقريباً. وشمل ذلك إلغاء:

  1. قرض مساعدة بقيمة 17.5 مليون يورو، كان من شأنه أن يسمح بتحسين أنظمة الري وزيادة إنتاج المواد الغذائية في محافظتي غرانما وهافانا.
  2. قرض مساعدة بقيمة 7.4 مليون يورو، لساحة كريستو (المسيح)، في هافانا القديمة. كان من شأن هذا التمويل أن يسمح بترميم منازل 500 عائلة ومدرستين وخدمات المياه الصالحة للشرب والكهرباء وخدمات الصرف الصحي، التي يستفيد منها جميعاً المواطنين المقيمين في تلك المنطقة.
  3. تبرع بقيمة 400 ألف يورو لإقامة "مركز العناية بالمسنين"، في دير "بيلين" (بيت لحم) القديم، الذين كان يمكنه توفير الخدمة لمائتي مسنّ ويكون تحت إدارة مكتب المؤرّخ والسلطات المحلية المعنية بالصحة العامة ودرع أخوات البرّ.
  4. تبرع بقيمة 6.8 مليون يورو، من خلال برنامج منظمة الأمم المتحدة للتنمية (PNUD)، والذي كان سيكرّس لدعم الخدمات الاجتماعية الأساسية على المستوى المحلي، كخدمات التعليم والصحة والعناية بالمعاقين والأشخاص المسنّين.
  5. تبرع بقيمة 6.8 مليون يورو، من خلال منظمة الأمم المتحدة للتنمية، يرمي إلى اقتناء معدّات للمحافظات الشرقية من البلاد، وبشكل أساسي في قطاع الصحة وإنتاج المواد الغذائية.
  6. تبرع بقيمة 534 ألف يورو لمساندة برنامج تعاون وتبادل بين جامعة تور فيرغاتا (Tor Vergata) الإيطالية وجامعة هافانا.

بهذه الطريقة غير المعهودة تعير الحكومة الإيطالية نفسها للدفاع عن الحقوق الإنسانية للشعب الكوبي.

إن الدور الأوروبي هو دور يثير للضحك لو لم يكن هذا التصعيد ينطوي على ما ينطوي عليه من خطورة.

ومن واجبنا أن نقولها بوضوح:

لا تعترف كوبا بسلطة أخلاقية للاتحاد الأوروبي لكي يدينها، وخاصة لكي يوجه لها إنذاراً تهديدياً فيما يتعلق بالعلاقات والتعاون. لقد اتخذت كوباقرارات لا حق بالحكم عليها إلا للشعب والحكومة الكوبيين، وهي قرارات مشروعة على الإطلاق وتستند بصلابة إلى ما ينص عليه دستور بلدنا وقوانينه.

من واجب الاتحاد الأوروبي، الذي ليس محاصراً ولا تهدده الولايات المتحدة عسكرياً كما هي كوبا، أن ينظر باحترام إلى كفاح الكوبيين من أجل حقهم بالاستقلال؛ ومن واجبه أن يلتزم صمتاً وجلاً في الوقت الذي يعلم فيه بأنه قد صمت في أحيان كثيرة أخذا لمصالحه بعين الاعتبار؛ وفي الوقت الذي يعلم فيه بأنه لم يتخذ موقفاً مشتركا البتة ضد النظام القمعي الإسرائيلي؛ وفي الوقت الذي يعلم فيه أنه اعترض على أن تنظر لجنة حقوق الإنسان حتى في مخاطر الحرب على حق الأطفال العراقيين بالحياة.

في الختام، تذكّر وزارة العلاقات الخارجية الاتحاد الأوروبي بأن كوبا هي بلد ذو سيادة، وحقق استقلاله الكامل كمحصلة لعملية طويلة ومؤلمة، شملت أكثر من نصف قرن من النضال ضد المجتمع الاستعماري الجديد الفاسد الذي قام في بلدنا بعد معاهدات باريس المشينة، التي تخلت فيها إسبانيا عن كوبا للولايات المتحدة من وراء ظهر الوطنيين الكوبيين.

لقد حققت كوبا القدرة، التي يعترف بها القانون الدولي، على أن تقرر بنفسها النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي الأنسب لشعبها، في ممارسة منها لسيادتها الكاملة وبدون تدخل أجنبي.

إن كوبا ترفض اللهجة التدخلية وغير المحترِمة الواردة في آخر بيان للاتحاد الأوروبي، وتطالبه بالامتناع عن عرض حلول على الشعب الكوبي لم يطلبها منه أحد وتكرر احترامها وصداقتها مع الشعوب الأوروبية، التي تأمل أن تعزز معها أوثق وأصدق العلاقات يوماً ما، على نحو كريم وشريف، حالما قضى التاريخ على القدر الكبير من النفاق والعفن والجبن.

 

وزارة العلاقات الخارجية

هافانا، 11 حزيران/يونيو 2003