تأملات الرفيق فيدال

الحقيقة في صميم المعركة و كتاب مارتين بلاندينو

الجزء الثالث و الأخير

 

بمقدارما كانت تجري المعارك الدراماتيكية لكانغامبا لاحظنا أن أهداف العدوتتجاوز إلى حد بعيد القيام بعملية معزولة.

أولا، كان لا بد من انقاذ الأمميين الكوبيين و رجال الفرقة 32 للقوات الأنغولية الشعبية للتحرير الوطني

.(FAPLA)   

إن فرقة الانزال و الهجوم تم بعثها من كوبا جوا.في حالة اللزوم كان من المخطط الاعتماد على جميع الوسائل المتوفرة، و لذلك  كنا ندعوهم إلى التصدي و الصمود و المقاومة و قد قاوموا.بعد تنفيذ مهمة

احباط القوات الغازية، كان لا بد من اتخاذ اجرائات فورا لاجهاض المخططات الاستراتيجية للعدو.

إن بلاندينو، بأبحاثه التاريخية يعيد صياغة أغراض العدومع البراهين و الشهادات التي جمعها:

"ليست كانغامبا وحدها التي أصبحت هدفا لاطلاق نارالعدو. بالتزامن يهاجم العدوبالمدفعية و الهاون على مونانغو، كالابو،تيمبوي و لوينا، و كلها تجمعات سكانية موقعها على شمال قرية كانغومبي. حقق العدو الاستيلاء فقط على كانغومبي و تصدوا له و صمدوا في باقية الأماكن. إن الهدف الاستراتيجي للغازي هو عزل محافظة موكسيكو و الحيلولة دون وصول تعزيزات، لفرض السيطرة على لوينا فيما بعد و يبتغي العدو تحويلها إلى عاصمة المسماة" الجمهورية السوداء" المنقسمة عن أنغولا، بحثا عن الاعتراف الدولي. و لكن الهدف المباشر هو الاستيلاء على كانغامبا و اعتقال أو قتل الخبراء المستشارين الكوبيين الذين يتواجدون هناك. يراهن على الصدمة السياسية و الأخلاقية و النفسية لضربة مثل ذلك".

الفريق ليوبولدو سينتراس فرياس:

خطتهم تتركز على الاستيلاء على تلك الأراضي،اعتقال 82 كوبي يتمركزون هناك  حتى يفرضواعلى كوبا التفاوض المباشر باليونيتا(الاتحاد الوطني للاستقلال الكامل لأنغولا)

                                                                    (UNITA)                                                                  

دون مشاركة الحكومة الأنغولية.

 

" العميد ندالو:

بما أن اليونيتا تعرف أن الكوبيين هناك تشد الحزام على المنطقة، تضع هناك قوة كبيرة معززة بالعديد من الرجال حتى ترى إذا تستطيع اعتقالهم و تقديمهم للصحافة الدولية. لذلك يبذلون المزيد من المجهودات. إننا قلقون جدا لذلك. لو حدث هكذا ستزداد جميع الأمور سوءا،هذا سيؤثرسلبا على  النضال الذي نخوضه، من السيء جدا لو قدمت هناك سجناء كوبيين و ثانيا يعاني هناك أهلنا"

"إن شهادة العقيد وامبولديها قيمة كبيرة. كان وامبو رئيس استخبارات عملية كانغامبا بالفالا، أي القوات المسلحة لتحرير أنغولا، في اليونيتا.

"من المتوقع مشاركة الطيران الجنوب إفريقي، خصوصا للتواجد الكوبي. يمكن اعتبارها كالصدام الأول ما بين القوات المتحالفة  الجنوب إفريقية و قوات اليونيتا من طرف و قوات الدولة الأنغولية معالقوات المساندة لها  التي تستطيع أن تحصل على تأييدها أيضا، من طرف آخر. يهمنا على وجه الخصوص التواجد الكوبي من الناحية الاستراتيجية.

في كانغامبا،بعد الاقتراب غربا و جنوبا،وجه العدو ضرباته الأساسية مع الفرقتين 12 و 13، اللتان تعتبرانمن أهم فرقها. اشترك كتيبتان مستقلتان بالعمليات كذلك و زمرة للعمليات الخاصة.ثلاثة آلاف رجل. تتوفر عندهم من خمسين إلى  ستين قطعة  للمدفعية  و الهاونات، سبعة قواعد مضادة للجو متنوعة ل14و5 ملم،المعروفة، ذات الفوهات الأربعة و الحاملة للصواريخ النقالة المضادة للجو.

و يضيف العقيد المذكورللفالا:

" إذا نتحدث بمصطلحات كلاسيكية، لدينا في الساحة فرقة تشترك بعملية تجري على نطاق واسع.فلا تشترك فحسب الكتائب الثلاثة للمدفعية، و إنما عدد القوات أكبر بكثير،فرغم عدم وجود قوات أرضية جنوب إفريقية بالذات للمدفعية، هناك عدد من المراقبين و من محددي أهداف اطلاق النارو من عوامل اللوجيستيك، إلى جانب السواق و إلى آخره.يمكننا الحديث عن فرقة نظامية لقوات الفالا، إلى جانب كاتبتين للقيادة و الخدمات و كتيبة مركبة لمؤيدي اللوجيستيك، المدفعية ، الملاحظة الجوية، إلى جانب ضباط الاتصال مع الطرف الجنوب إفريقي: ضباط الاستخبارات، القوة الجوية  و تخصصات أخرى".

"العقيد الركن نغونغو(مساعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة  لتحرير أنغولا

 :(MPLA)

"بنفس ذاك اليوم بدأت الصحافة الغربية تفيد بأن كانغامبا أصبحت محاصرة بتسعة آلاف رجل تقريبا، و أنها ستقع آجلا أو عاجلا بأيدي اليونيتا".

 

و من جهتنا نضيف أن المجموعة المدرعة التي انطلقت من وامبو ، عززت لوينا بقوات كافية حتى تواجه أي هجوم من جنوب إفريقيا بذلك الاتجاه و كانت هذه خطوة تقدم كبيرة جدا.

ما بين لواندا، عاصمة أنغولا،في الغرب، و لوينا، عاصمة موكسيكو، كانت هناك مسافة مشابهة لتلك التي تفصل ما بين مدينة هافانا و سانتياغو دي كوبا، أي 1100 كم ، كان لا بد من المرور بها رغم أن الجسور تم تدميرها من قبل عصابات اليونيتا. إن قوافل الامدادات و بناة الممرات المؤقتة لتزويد القرى بالامدادات كانت تتقدم بشكل عسير و متعب؛ كان لا بد من حماية الأماكن الرئيسية.

قد تم تعزيز المجموعة المدرعة  لمينونغي، و كذلك الجبهة الجنوبية بالكتائب الجديدة من الدبابات التي أرسلت من كوبا و ذكرناها سابقا. كنا أقوياء. و لكن كان علينا الانتظار أربعة سنوات أخرى و تحمل عواقب الاستراتيجيات الخاطئة  لكونستانتين، التي كلفت خسارة أرواح بشرية كثيرة لدى الأنغوليين.

كان المستشار السوفياتي قد وصل إلى الجمهورية الشعبية الأنغولية في أواخر عام 1982 كرئيس للبعثة العسكرية لبلاده.  بعدما نفذ مهمته عاد إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1985 ،و عاد إلى البلد الإفريقي في عام 1987 و رتبته العسكرية أعلى. خطط  هو الآخر الهجومات غير المعقولة ضد جامبا في المنطقة النائية لجنوب شرق أنغولا، حيث كان يفترض أن سابمبي لديه مركز قيادته. بينما كانت عصابات اليونيتا تقوم بعملياتها  ببلديات  قريبة من لواندا، و هي مدعومة من قبل جنوب إفريقيا، مثلما روينا مرات أخرى. غير أن آخر تلك الهجومات، التي كانت دائما عواقبها كارثية،أدت إلى معركة كويتو كونافالي، التي حسمت بداية نهاية نظام التفرقة العنصرية، عندما كانت الوحدات الأنغولية تنضرب دون جدوى، تتراجع ، في ذلك الحين اصطدم جيش جنوب إفريقيا بفرقة الدبابات البي ام 21 و تم بعث تاقوات الكوبية  للدفاع عن القاعدة الجوية القديمة لحلف الناتو.

في تلك اللحظة الحاسمة أيد رئيس أنغولا تأييدا كاملا وجهات نظرنا. أكثر من 30 ألف جندي أنغولي و 40 ألف مقاتل أممي كوبي، مع ضباطهم و قياداتهم، مدربين بشكل جيد و مجربين بالقتال، فور اطلاق الطلقات الأخيرة في القلعة البعيدة جدا، تقدموا بجنوب غرب أنغولا  نحو خطوط الجنوب إفريقيين بالحدود مع ناميبيا. و قد أرسلت من كوبا عدد كبير من الدبابات، من مدفعية الصواريخ المضادة للطيران، أسلحة أخرى مع الرجال المعنيين.

إننا أصبحنا أصحاب الجوَّ، وذلك بعدد قليل نسبياً من الطائرات نوعها "ميغ 23" ومهارة طيّارينا. ولكنها كانت قليلة بالمقارنة مع عدد الطائرات بحوزة جنوب افريقيا. وفي ذلك الحين، كان الاتحاد السوفيتي لا يزال قائماً وكانت الدولة الأكثر تضامناً مع كوبا. وقد استولى غورباشوف على القيادة العليا في الحزب والدولة. ولقد بعثتًُ له رسالة شخصية طلبتُ منه فيها توفيرنا ب 12 طائرة حربية إضافية نوعها "ميغ 23"، وذلك بشكل عاجل، وهو ردّ عليّ إجابياً.

وقد قمنا ببناء مدرج للطائرات كان متقدّماً في بنائه بجنوب غرب أنغولا على بعد أكثر من 200 كم مما كان الخط الدفاعي الأكثر أهميةً في هذا الاتجاه. وكانت مشكلتنا الرئيسية نقص الخزنات الاحتياطية لتخزين الوقود للطائرات نوعها "ميغ ". وكان تقريبا مستحيل أن يقوم أي سخص  بتزويدنا بعض الخزنات الأخرى. و لكن، على كل الأحوال، كانت مواقع قلعات جنوب افريقيا القائمة في الخط الأمامي على مرمى أيدينا وباستثناء طائراتها الحربية بعيدة المدى لم تكن بحوزة جنوب افريقيا أسلحة مضادة للطائرات تقريباً. ومن خلال الخزنات الاحتاطية القليلة المتوفرة لنا كان بإمكاننا ضرب العنصريين حتى في "ويدهوك"، عاصمة ناميبيا.

غير أنه، كانت لدى جنوب افريقيا سبعة رؤوس نووية التي تم توفيرها لها من قبل حكومة ريغان، رئيس الولايات المتحدة السابق. ولقد أدركنا بفضل بعض العناصر المعقولة المحددة بأنه من المحتمل أن تكون بحوزتهم. ولذا قمنا بزرع متفجرات على جدران سدّ مهم داخل أنغولا التي تم بناؤها من قبل المستعمرين البرتغاليين قريبا من الحدود مع ناميبيا، وذلك بالقرب من المواقع الرئيسية لجيش جنوب افريقيا في ذلك البلد. وقد تم انتشار القوات الكوبية والأنغولية بطريقة مناسبة لمواجهة هجوم محتمل من هذا النوع متوقعين استخدام تلك الأسلحة النووية. ولم يكن هناك أي شيء قادر على تجاوز البطولية النزيهة في قلوب الأمميين الكوبيين الذين قرروا تصفية نظام التمييز العنصري.

ولم تستطع جنوب افريقيا أن تتحمل التحدي ولذا تفاوضت، وذلك بعد أن تلقى الضربات الأولى في ذلك الاتجاه داخل الأراضي الأنغولية. وقد جلس حول الطاولة نفسها خلال أشهر الأمريكان والعنصريون والأنغوليون والسوفيتيون والكوبيون. وقد حضر هذه اللقاءات "كونستانتين" وهو من بين الأشخاص الذين كانوا يتفاوضون لصالح قضيتنا. لقد تعرفت عليه سابقاً وحاولتُ أن لا يحس بأنه في وضع محرج بسبب التناقضات ما بيننا ولإنجازاتنا. وبلا شك كان لديه نفوذ في القيادة العسكرية لدى الجيش السوفيتي الباسل و المجيد. ولكن كانت الأخطاء المرتكبة من قبله المساهمة الأكثر أهميةً في القرار الذي تم اتخاذها من قبل بلدنا لمنع العنصريين التدّخل في أنغولا ولتصحيح الأخطاء السياسية التي اقترفتها القيادة السوفيتية في عام 1976.

لقد قررنا أن نكون كرماء مع المناوئ بالامور الاستراتيجية ولذا قررنا أن نقلده وسام "شي جيفارا" الذي تلقاه وكان يبدو أنه راضٍ. ولكن لم تكمن غلطته الأسوى بعمله قبل ذلك وإنما بما قام به في ما بعد. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي تقدّم "كونستانتين" بتصريحات انتهازية و شن افتراءات على كوبا، وذلك على البلد الذي كان كريماً معه إلى أقصى الحدود. وقد خضع العسكري المحترف لدى "كانغامبا" وهو صاحب المبادرات غير المعقولة التي قام بطرحها ومخترع الهجومات العاقمة الموجّهة ضد منطقة "جمبا" البعيدة أمام التفكير المعادي لكوبا لدى العدو. لن يدافع عنه الكثيرون في أحضان شعبه الوطني.

وكان "كونستانتين" اسمه المستعار. لقد ذكرتُ يوماً اسمه الحقيقي دون ذكر اسمه العائلي (لقبه) لأنه الذي تذكرتُه جيداً في تلك اللحظة ولا أود تكراره مرة أخرى.

وظل "سافمبي" وفياً لروحه المغامرة بصفته مرتزقة، أولاً لخدمة المستعمرين البرتغاليين وفيما بعد لخدمة عنصريي جنوب افريقيا وأخيراً وبشكل مباشر لخدمة الإمبرياليين الأمريكان. عندما تم تصفية ركيزة النظام العنصري من قبل شعب جنوب افريقيا نفسه و بعد الضربة القاتلة التي تلقاها في أنغولا، وضعه الأمريكان تحت حماية و  وصاية "موبوتو"، الشخص هذا الذي قام بجمع ثروة  تقدر ب 40 مليار دولار بعد أن قام بنهب "زائير". وبكل تأكيد تعرف أوروبا هذه القصة جيداً. لقد كان "سابمبي" يجمع الألماس في وسط وشمال أنغولا لمصلحته الخاصة ولمصلحة "الاتحاد الوطني من أجل الاستقلال الكامل لأنغولا" (أونيتا). وهكذا استمرّ في حربه الوحشي ضدّ الأنغوليين. ولم يعد الكوبيون متواجدون هناك لأنهم قد قاموا بتنفيذ برنامجهم التدريجي للانسحاب وذلك بدقة تامّة وهذه المرة بعد أن قاموا بتنفيذ مهمتهم بكاملها.

لقد قامت القوات المسلحة لتحرير أنغولا التي قد أصبحت قوات مسلحة شجاعة ذات تجربة واسعة بإلقاء جيش "سابمبي" العميل للأمريكان والمدعوم من قبل "موبوتو" الضربة القاضية. ولم يكن أمام "الاتحاد الوطني من أجل الاستقلال الكامل لأنغولا" (أونيتا) خيار آخر إلا التخلّي عن التمرّد. واستطاعت الأمّة الأنغولية أن تحافظ على استقلالها وتكامل أراضيها.

ومن الضروري أن يجمع الشباب الأمميون والثوريون القادرون على أن يحسّوا وأن يعملوا الصفحات التي كتبها  الشعب الكوبي، وذلك لمصلحة التاريخ.

وتعتبر القوات المسلحة الثورية الكوبية لحزبنا قلعة محصنة وجيش "مامبي" (الكوبيون الذين ناضلوا من أجل تحرير كوبا من الاستعمار الإسباني) الذي لم يكن ولن يكون أبدا  مجرّد من السلاح.

 

فيدال كاسترو روز

14 من شهر أكتوبر عام 2008.

الساعة 11:36 صباحاً.